وقد كان لؤلؤ عند معرفته بورود العساكر المصرية كتب إلى بسيل عظيم الروم وذكّره ما كان بينه وبين سعد الدولة من المعاهدة والمعاقدة، وبذل له عن أبى الفضائل ولده الجري على تلك العادة، وحمل إليه ألطافا كثيرة واستنجده وأنفذ إليه ملكوثا [١] السرياني رسولا.
فوصل إليه ملكوثا وهو بإزاء عساكر ملك البلغر مقاتلا. فقبل ما ورد فيه وكتب إلى البرجى صاحبه بأنطاكية بجمع عساكر الروم وقصد حلب ودفع المغاربة عنها.
فسار البرجى فى خمسة آلاف رجل ونزل بجسر الحديد بين أنطاكية وحلب وعرف منجوتكين وأبو الحسن ذلك فجمعا وجوه العسكر وشاوراهم فى تدبير الأمر.
[ذكر مشورة أنتجت رأيا سديدا كان فى أثنائه الظفر بالروم]
أشار ذو الرأى والحصافة منهم بالانصراف عن حلب وقصد الروم [٣١٤] والإبتداء بهم ومناجزتهم لئلّا يحصلوا بين عدوّين. فأجمعوا على ذلك وساروا حتى صار بينهم وبين الروم النهر المعروف بالمقلوب.
فلمّا تراءى الجمعان تراموا بالنشّاب وبينهم النهر، وليس للفريقين طريق إلى العبور. فبرز من الديلم الذين فى جملة منجوتكين شيخ فى يديه ترس وثلاث زوبينات ورمى بنفسه إلى الماء والمسلمون ينظرون إليه والروم يرمونه بالنبل والحجارة وهو يسبح قدما والترس فى يده والماء إلى صدره.
وشاهد المسلمون ذلك وطرحوا نفوسهم فى أثره، وطرحت العرب خيولهم
[١] . فى الأصل: ملكونا. والصواب عند ابن الفلانسى ص ٤١ ص ١٤ (مد) .