وسار المهلّب وعبد الرحمان حتّى نزلوا بهم، فخندق المهلّب ولم يخندق عبد الرحمان، فقال المهلّب لعبد الرحمان:
- «إن رأيت أن تخندق عليك فعلت.» فقال أصحاب عبد الرحمان:
- «خندقنا سيوفنا.» فلما كان الليل زحف الخوارج إلى المهلّب [٣١٩] ليبيّتوه، فوجدوه قد أخذ حذره، فمالوا نحو عبد الرحمان، فوجدوه لم يخندق. فنهض عبد الرحمان وقاتلهم وانهزم عنه أصحابه، ونزل فى جماعة من أهل الحفاظ والصبر، فقاتلوا حتّى قتل عبد الرحمان وقتلوا كلّهم حوله.
فلما أصبح المهلّب جاء حتّى دفنه وصلّى عليه، وكتب بمصابه إلى الحجّاج، فكتب الحجّاج بذلك إلى عبد الملك ونعى عبد الرحمان وذمّ أهل الكوفة. وبعث الحجّاج على عسكر عبد الرحمان بن مخنف، عتّاب بن ورقاء، وأمره إذ ضمّتها الحرب أن يسمع للمهلّب ويطيع. فساءه ذلك ولم يجد بدّا من طاعة الحجّاج، ولم يقدر على مراجعته. فجاء حتّى أقام فى ذلك العسكر، وقاتل الخوارج، وأمره إلى المهلّب، وهو فى ذلك يعنى أموره ولا يكاد يستشير المهلّب فى شيء. فلما رأى المهلّب ذلك اصطنع رجالا من أهل الكوفة فيهم بسطام بن مصقلة، فأغراهم بعتّاب.
فلما كان ذات يوم، أتى عتّاب المهلّب يسأله أن يرزق أصحابه. فأجلسه المهلّب معه على مجلسه، فسأله عتّاب سؤالا فيه تجهّم وغلظة وترادّا الكلام حتّى قال [٣٢٠] له المهلّب:
- «يا بن اللخناء.» وذهب ليرفع القضيب عليه، فوثب إليه ابنه المغيرة، فقبض على القضيب وقال:
- «أصلح الله الأمير، شيخ من أشياخ العرب وشريف من أشرافهم. إن سمعت