كان أبو الحسن المعلّم يتوقّع فى كل ناظر خدمة وهديّة وكان أبو نصر فيه شحّ يمنعه عن ذلك، فإذا أشير عليه قال:
- «إنّما يفعل هذا الفعل من يرتزق أو يرتفق.» ففسد رأى أبى الحسن فيه فسادا عرفه كلّ أحد، وبلغ أبا نصر فخافه وهمّ بالهرب عن قرب بهاء الدولة، واستدعى من العرب من يخرج معه.
ثم توقّف وأشار عليه أهل أنسه بتلافى أبى الحسن بما يحمله إليه، فنازلهم إلى ألف دينار. فقالوا له:
- «تكون وزنا يلقى بها بواسط.» فلم يفعل وأخذ خطّ بعض الباعة به وأنفذه إليه فلم يقع موقعه، إلّا أنّه قبله تأنيسا له. وورد مدينة [٢٩١] السلام فقبض عليه وأخذ له عند القبض عليه من عدّة مواضع ما بلغ قيمته ألفى ألف دينار وأفرج عنه بعد ذلك بمدّة.
فانظر إلى هذا الشحّ المطاع كيف ألقى صاحبه فى المهالك، وأخرجه إلى ضيق المسالك. فإنّه ضيّع الكثير من حيث حفظ القليل.
والجوّاد أملك لماله من الشحيح. لأنّ ذلك يبدّله: إمّا لنفع عاجل وإمّا لذخر آجل. وهذا يخزنه: إمّا لحادث وإمّا لوارث. فذاك محظوظ وهذا محروم. وذاك مشكور وهذا مذموم.
وقد قيل: أنفق فى حالتي الإقبال والإدبار والإنفاق فى زمن الإقبال لا ينقص حالا والإمساك فى زمن الادبار لا يحفظ مالا. قال الله تعالى:«وَمن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ٥٩: ٩ [١] .