للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدوّهم. فلمّا أشرفوا عليهم- وهم بأسوأ حال من الضرّ والضعف- دعوا أخشنواز إلى الصلح، على أن يخلّى سبيلهم حتّى ينصرفوا إلى بلادهم، على أن يجعل له فيروز عهد [١٦٣] الله وميثاقه ألّا يغزوهم ولا يروم أرضهم ولا يبعث إليه جندا يقاتلونهم، ويجعل بين المملكتين حدّا لا يجوزه. فرضي أخشنواز بذلك، وكتب له كتابا مختوما وأشهد له على نفسه شهودا، ثمّ خلّى سبيله وانصرف. فلما صار إلى مملكته حمله الأنف على معاودة أخشنواز.

[عاقبة غدره]

فكان من عاقبة غدره: أنّه غزاه بعد أن نهاه وزراؤه وخاصّته عن ذلك، لما فيه من نقض العهد، فلم يقبل منهم وأبى إلّا ركوب رأيه. وكان في من نهاه عن ذلك رجل يخصّه ويجتبى رأيه يقال له: مربوذ [١] . فلمّا رأى لجاجته، كتب ما دار بينهما في صحيفة، وسأله الختم عليها. ومضى فيروز لوجهه نحو بلاد أخشنواز.

فلمّا بلغ فيروز منارة كان بناها بهرام جور في ما بين تخوم [٢] بلاد خراسان وبلاد الترك- لئلّا يجوزها الترك إلى خراسان، لميثاق كان بين الترك والفرس على ترك الفريقين التعدّى لها، وكان فيروز عاهد [١٦٤] أخشنواز أن لا يجاوزها إلى بلاد الهياطلة- أمر فيروز فصمد [٣] فيها خمسون فيلا وثلاثمائة رجل، فجرّت أمامه جرّا واتّبعها، وزعم أنّه يريد بذلك الوفاء، وترك مجاوزة ما عاهد عليه.

فلمّا بلغ أخشنواز ذلك من فعل فيروز، أرسل إليه يقول له:

- «إنّ الله عزّ وجلّ لا يخادع ولا يماكر، فانته عمّا انتهى عنه أسلافك، ولا تقدم على ما لم يقدموا عليه» .


[١] . مط: مرديو. الطبري: مزدبوذ، مربود.
[٢] . جمع التخم: الحد الفاصل بين أرضين. الحدّ.
[٣] . صمد: قصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>