فتى لا يحبّ الزّاد إلّا من التّقى ... ولا المال إلّا من قنا وسيوف
واعتمر الرشيد فى هذه السنة فى شهر رمضان شكرا لله عزّ وجلّ على ما أبلاه فى الوليد بن طريف. ثمّ انصرف إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحجّ، ثمّ حجّ بالناس فمشى من مكّة إلى منى، ثمّ إلى عرفات، وشهد المشاهد كلّها، والمشاعر ماشيا.
ثمّ دخلت سنة ثمانين ومائة هياج العصبيّة بين أهل الشام
وفيها هاجت العصبيّة بالشام بين أهلها، وتفاقم أمرها فقلق الرشيد واغتمّ لذلك، وقال لجعفر بن يحيى:
- «إمّا أن تخرج أنت، أو أخرج أنا.» فقال له جعفر: «بل أقيك بنفسي.» فشخص فى جلّة القوّاد والكراع والسلاح وعقد له على الشام. فلمّا أتاهم أصلح بينهم وقتل زواقيلهم والمتلصّصة منهم، ولم يدع به رمحاً ولا فرسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وأطفأ النائرة، وعاد إلى جعفر، واستخلف على الشام عيسى بن العكّى فزاد الرشيد [٥٥٧] فى إكرامه ومدحه الشعراء.
ويقال: إنّه لمّا عاد ومثل بين يدي الرشيد، قبّل يديه ورجليه ثمّ مثل بين يديه فقال:
- «الحمد لله الذي آنس وحشتي بأمير المؤمنين، وأجاب دعوتي، ورحم تضرّعى ونسأ فى أجلى، حتى أرانى وجه سيّدى، وأكرمنى بقربه وأمتنّ علىّ بتقبيلى يده، وردّني إلى خدمته، فو الله إن كنت لأذكر غيبتي عنه ومخرجي و