للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركض منهزما، ووضع أصحاب نيزك سيوفهم فيهم، فأكثروا القتلى.

يزدجرد والطحّان

وانتهى يزدجرد في هزيمته إلى مكان من أرض مرو، فنزل عن فرسه، ودخل بيت طحّان، مكث فيه ثلاثة أيام.

فقال له الطحان: «أيها الشقىّ، اخرج فاطعم شيئا فإنّك جائع منذ ثلاث.» قال: «لست أصل إلى ذلك إلّا بزمزمة.» وكان رجل من زمامة مرو قريبا منه، فأتاه الطحّان، وسأله أن يزمزم [١] عليه ليأكل. ففعل ذلك. فلما انصرف إلى مرو سمع أبا نزار يذكر يزدجرد ويطلبه، فأتاه، فسأله وأصحابه عن حليته. فوصفوه. فأخبرهم أنّه رءاه في بيت طحان وهو رجل جعد مقرون حسن الثنايا مقرّط مسوّر.

فوجه إليه رجلا من الأساورة، وأمره أن يخنقه بوتر ويطرحه في نهر مرو.

فلقوا الطحان، فضربوه ليدلّ عليه، فلم يفعل وجحدهم أن يعرف أين يتوجّه. فلما أرادوا الانصراف عنه، قال رجل منهم:

- «إنى أجد ريح المسك فلو تتبّعته.» فنظر إلى طرف ثوب من ديباج في الماء، فاجتذبه إليه، فإذا هو يزدجرد، فسأله ألّا يقتله ولا يدلّ عليه: [٤٧٠] ويجعل له خاتمه وسواره ومنطقته.

فقال: «أعطنى أربعة دراهم [٢] وأخلّى عنك.» قال: «ويحك! خاتمي لك وثمنه لا يحصى!» فأبى عليه.


[١] . زمزم المغني: ترنّم. زمزم العلوج: تراطنوا عند الأكل وهم لا يستعملون اللسان ولا الشفة في كلامهم لكنه صوت يديرونه في خياشيمهم وحلوقهم فيفهم بعضهم عن بعض.
[٢] . وفي الأصل أربعة درهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>