فأمّا الأمين فإنّه اشتغل باللعب وأمر ببناء حول قصر أبى جعفر فى المدينة للصوالجة واللعب، وأخذنا نحن فى الجدّ، ورأى المأمون أن يهادي أخاه، فبعث له بهدايا وتواترت كتب المأمون إلى محمد بالتعظيم وإهداء طرف خراسان.
[ودخلت سنة أربع وتسعين ومائة]
وفى هذه السنة عزل محمد الأمين أخاه القاسم عن جميع ما كان أبوه هارون ولّاه من عمل الشام وقنّسرين والعواصم والثغور، وولّى مكانه خزيمة بن خازم، وأمره بالمقام بمدينة السلام.
وفيها أمر محمد بالدعاء لابنه موسى على المنابر بالأمرة.
وفيها تنكّر كلّ واحد من محمد الأمين وعبد الله المأمون لصاحبه وظهر الفساد بينهما.
[سبب ظهور الفساد بين الأمين والمأمون]
وكان السبب فى ذلك أنّ الفضل بن الربيع فكّر بعد مقدمه إلى العراق ناكثا للعهود التي كان الرشيد أخذ بها عليه لابنه المأمون، فعلم أنّ الخلافة إن أفضت إلى المأمون يوما من الدهر [٣١] وهو حىّ لم يبق عليه، وكان فى ظفره به عطبه. فسعى فى حثّ محمد على خلعه وصرف ولاية العهد من بعده إلى ابنه موسى، ولم يكن ذلك من رأى محمد ولا عزمه. فأدخل معه فى الرأى علىّ بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما، فصغّروا شأن عبد الله المأمون عند الأمين، وقال له الفضل:
- «يا أمير المؤمنين اخلع عبد الله والقاسم، فإنّ البيعة كانت لك متقدّمة وإنّما أدخلا فيها بعدك.»