للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصفح عنهم. فسأله المنذر وأسعفه الملك. ثم جلس بهرام- وهو ابن عشرين سنة- سبعة أيّام متوالية للجند والرعيّة، يعدهم الخير من نفسه ويحضهم على تقوى الله وطاعته، وغبر زمانا يحسن السيرة ويعمر البلاد ويدرّ الأرزاق.

ثم آثر اللهو على ذلك، وكثرت خلواته بأصحاب الملاهي والجواري، حتى كثرت ملامة رعيّته إيّاه على ذلك، وطمع من حوله من الملوك في استباحة بلاده والغلبة على بلاده.

[خاقان يغزو بهرام]

وكان أوّل من سبق إلى مكاثرته ومغالبته خاقان ملك الترك. فإنّه غزاه في مائتين وخمسين ألفا من الأتراك. فبلغ الفرس إقبال خاقان في هذا الجمع العظيم فهالهم وتعاظمهم، ودخل إليه من عظمائهم قوم من أهل الرأى [١٥٤] فقالوا:

- «أيّها الملك، قد أزفك [١] من بائقة [٢] هذا العدوّ ما يشغلك عمّا أنت فيه من اللهو والتلذّذ، فتأهّب له، كي لا يلحقك منه أمر يلزمك فيه مسبّة وعار.» فكان بهرام لثقته بنفسه ورأيه، يجيب القوم: بأن الله ربّنا قوى ونحن أولياؤه، ثم يقبل على المثابرة واللزوم لما فيه من اللهو والصيد.

[حيلة بهرام جور على خاقان [٣]]

إلى أن أظهر ذات يوم التجهّز إلى آذربيجان لينسك في بيت نارها ويتوجّه منها إلى أرمينية ويطلب الصيد في آجامها، ويلهو في مسيره، في سبعة رهط من العلماء وأهل البيوتات وثلاثمائة رجل من رابطته، ذوى بأس ونجدة. واستخلف أخا له يقال له: «نرسى» ، على ما كان يدبّر من ملكه. فلم يشكّ الناس حين بلغهم


[١] . أزف: اقترب ودنا، ومنه أزفت الآزفة، وأزفت الساعة.
[٢] . البائقة: الشرّ.
[٣] . أنظر الطبري ٢: ٨٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>