وكان فى الكتب الموجودة له عجائب من مكاتبات أصحابه النافذين إلى النواحي وبوصيته إيّاهم بما يدعون إليه الناس وبما يأمرهم به من نقلهم من حال إلى حال أخرى ومرتبة إلى مرتبة حتّى يبلغوا الغاية القصوى وأن يخاطبوا [١٥٨] كلّ قوم على حسب عقولهم وأفهامهم وعلى قدر استجابتهم وانقيادهم وجوابات لقوم كاتبوه بألفاظ مرموزة لا يعرفها إلّا من كتبها ومن كتبت إليه.
كلام غريب من غلام حامد فى الحلّاج
وحكى أبو القاسم بن زنجى قال: كنت أنا وأبى يوما بين يدي حامد إذ نهض من مجلسه وخرجنا إلى دار العامّة وجلسنا فى رواقها وحضر هارون بن عمران الجهبذ بين يدي أبى ولم يزل يحادثه فهو فى ذلك إذ جاء غلام حامد الذي كان موكّلا بالحلّاج وأومأ إلى هارون بن عمران أن يخرج إليه فنهض مسرعا ونحن لا ندري ما السبب، فغاب عنّا قليلا ثمّ عاد وهو متغير اللون جدّا فأنكر أبى ما رأى منه فسأله عن خبره فقال:
- «دعاني الغلام الموكّل بالحلّاج فخرجت إليه فأعلمنى أنّه دخل إليه ومعه الطبق الذي رسمه أن يقدّم إليه فى كلّ يوم فوجده قد ملأ البيت بنفسه فهو من سقفه إلى أرضه وجوانبه حتّى ليس فيه موضع. فهاله ما رأى ورمى بالطبق من يده وعدا مسرعا وأنّ الغلام ارتعد وانتفض وحمّ.
فبينا نحن نتعجب من حديثه إذ خرج إلينا رسول حامد وأذن فى الدخول إليه فدخلنا وجرى حديث الغلام فدعا به وسأله عن خبره فإذا هو محموم، وقصّ [١٥٩] عليه قصّته فكذّبه وشتمه وقال: