للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معايشهم من نسائهم. وذلك أنّ المرأة كانت تخرج من منزلها معها الطعام واللطف [١] والماء قد التحفت [٢٦٠] عليه، فتخرج كأنها تريد المسجد الأعظم للصلاة أو تزور قرابة لها، فإذا دنت من القصر فتح لها، فدخلت على حميمها بطعامه وشرابه ولطفه، وإنّ ذلك ليبلغ مصعبا.

وكان المهلّب ذا حنكة وتجربة، فقال:

- «أيّها الأمير، اجعل عليهم دروبا حتّى يمكنك أن تمنع ما يأتيهم من جهة أهليهم وتدعهم فى حصنهم حتّى يموتوا فيه.» وكان القوم إذا اشتدّ عليهم العطش استقوا ماء البئر، وطرحوا فيه العسل ليغيّر طعمه، فأخذ ثلاث نسوة فى الشباميّين أتين أزواجهنّ فى القصر، فبعث بهنّ إلى مصعب ومعهنّ الطعام والشراب، فردّهنّ مصعب ولم يعرض لهنّ.

فقال المختار يوما لأصحابه:

- «ويحكم! إنّ الحصار لا يزيدكم إلّا ضعفا، انزلوا بنا، فلنقاتل حتّى نقتل كراما إن قتلنا، والله ما أنا بيائس إن أنتم صدقتموهم، أن ينصركم الله.» فضعفوا وعجزوا، فقال لهم المختار:

- «أما أنا والله لا أعطى بيدي، ولا أحكّمهم فى نفسي.» ولما رأى عبد الله بن جعدة بن هبيرة ما يريد المختار، تدلّى من القصر، فلحق بأناس من إخوانه، فاختبأ عندهم. [٢٦١]

[مقتل المختار وما قاله فى أمره]

ثمّ إنّ المختار أزمع الخروج حين رأى من أصحابه الضعف والفشل. فأرسل إلى امرأته أمّ ثابت بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير، فاغتسل


[١] . اللطف: الرفق، الهديّة. يقال: أهدى إليه لطفا، وما أكثر تحفه وألطافه. واللطف: اليسير من الطعام. ويقال:
هؤلاء لطف فلان، أى: أصحابه وأهله الذين يلطفونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>