العصر ثم انهزم أصحاب السلطان وهلك منهم عدد كثير قتلا وغرقا ولحق الباقون بأبى نصر فاعتصموا بدار الإمارة التي هو نازل فيها وتبعهم ابنا حمدان والعامة، فغلقت الأبواب دونهم واستوعب القتال بقية النهار. ثم حجز الليل بينهم وعاد ابنا حمدان إلى مخيّمهما.
ذكر رأى سديد رآه ابنا حمدان [٢٥٩] فأحسنا فيه الظنّ علما للعاقبة
لمّا جرى ما جرى [و] علما أنّ العامة لا تقنع إلّا بقتل الديلم وأنّ السلطان لا يغمض على مثل هذه الجناية خافا عواقب الأمر وراسلا أبا نصر فى ليلتهما وقالا له:
- «نحن خدم السلطان وقد جرت الأقدار بغير الاختيار ولا قدرة لنا الآن على ضبط العامة لما فى نفوسهم من الديلم وهم فى غد يحرقون الدار ويسفكون الدماء فإمّا أن تصير إلينا وإمّا أن تعلم أنّك مهلك نفسك.» فعرف أبو نصر خواشاذه أنّهما قد نصحاه وخرج إليهما ليلا فأكرماه ثم عدلا إلى تدبير أمر العامة فأحضرا شيوخهم ووجوههم وقالا لهم:
- «إنّ كنتم تؤثرون مقامنا بين ظهرانيّكم فولّونا أموركم ولا تشفوا بقتل أصحاب السلطان صدوركم، فإنّه شفاء يعقب داء عضالا، ولا تجدون من السلطان فى ذلك إغضاء وإجمالا. والذي نراه أن تكفّوا أحداثكم عن القتل وانصراف هؤلاء القوم عنكم صرفا جميلا ويتلطف السلطان أقدامنا عندكم.» فأجابوه بالسمع والطاعة وبذل المكنة والاستطاعة وبكر العوام إلى الدار فلم يزل ابنا حمدان والمشيخة بهم رفقا ولطفا حتى استقر الأمر بعد هناة على أن يهبوا الدم وينهبوا الأموال وأن يصعد الجند إلى [٢٦٠] السطوح ويقف على الدرج من الشيوخ من يمنع العامة من الصعود.