ثم عدل عابد بن علىّ إلى طوائف أخر من الأمم المخالفة فى حال تصاقبهم يعرفون بالخرّمية والجاشكية يخيفون السبل فى البر والبحر وكانوا ضاموا سليمان بن محمد بن الياس فأوقع بهم وقتل كثيرا منهم وحصل فى يده رئيسهم أبو على بن كلاب فضرب عنقه وقبض على خلق منهم فأنفذهم إلى شيراز فتوطأت تلك الأعمال وصلحت مدّة من الزمان.
[عضد الدولة يصير بنفسه إلى كرمان]
ثم لم يلبث البلوص وكانوا أشد هذه الطوائف بأسا وأوعدهم جانبا وأشدهم كفرا أن اشتاقوا إلى عاداتهم من إخافة السبل وسفك الدماء الحرام ونقض [٣٨٠] ما كانوا تمسكوا به من تلك العهود. فلمّا فعلوا ذلك اعتقد عضد الدولة ألّا حيلة فى صلاحهم ويئس منهم فرأى ألّا يبقى عليهم وعزم على المسير بنفسه إلى كرمان فسار فى ذى القعدة سنة ستّين وثلاثمائة.
فلمّا انتهى إلى السيرجان وجد البلوص قد تبسطوا فى الأعمال وسعوا فيها بالفساد ونصبوا للرئاسة عليهم علىّ بن محمد البارزى [١] ولقى الناس منهم عنتا شديدا فى جميع طرقات كرمان وسجستان وخراسان فجرّد عابد بن علىّ فى عسكر كثيف من الديلم والجيل والأتراك والأعراب والأكراد والزطّ والرجال السّيفية وأنفذه إليهم فلمّا أحسّوا بإطلاله عليهم أوغلوا فى الهرب وسلكوا طرقا ضيقة شاقة ظنّوا أنّ العسكر لا يمكنه سلوكها ولا اتباعهم فيها.