للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه فى تصحيف [١] أو لحن مما يذهب علينا. فكان ذلك يشق علىّ وأحبّ أن تصح له قصيدة لا يعرفها الأستاذ الرئيس أو لا يردّ عليه فيها شيئا.

فأعيانى ذلك حتى وقع إلىّ ديوان الكميت وهو مكثر جدا فاخترت له ثلاث قصائد غريبة ظننت أنّها ما وقعت إلى الأستاذ الرئيس وحفّظته إيّاها وتوخّيت الحضور معه. فلما وقع بصره عليه قال:

- «هات أبا القاسم أنشدنى شيئا مما حفظته بعدي.» «فابتدأ ينشده، فلمّا استمر فى قصيدة من هذه القصائد قال له:

- «قف، فقد تركت من هذه القصيدة عدّة أبيات.» «ثم أنشده إيّاها. فخجلت خجلة لم أخجل مثلها. ثم استزاد فأنشده القصيدة الأخرى فأسقط فيها كما أسقط فى الأولى واستدركه عليه أيضا.» قال: «فعلمت أنّ الرجل بحر لا ينزف ولا يوبّى [٢] ما عنده.» فهذا ما حدثني به هذا الرجل وكان أديبا كاتبا.

[ما شاهدته أنا من ابن العميد من مقدرته العجيبة على الحفظ]

وأما ما شاهدته منذ مدة صحبتي إيّاه- وكانت سبع سنين لازمته فيها ليلا ونهارا- أنّه ما أنشد شعر [ا] [٣] قطّ لم يحفظ ديوان صاحبه ولا غرّب عليه بشعر قديم ولا محدث ممن يستحق أن يحفظ شعره. ولقد سمعته ينشد دواوين قوم مجهولين أتعجب من تعاطيه حفظ مثلها حتى سألته يوما وقلت:

- «أيّها الأستاذ كيف تفرغ [٣٥١] زمانك لحفظ شعر هذا الرجل.» فقال: «وكأنّك تظنّ أنّى أتكلّف حفظ مثل هذا. إنّما ينحفظ لى إذا مرّ


[١] . كذا فى الأصل: تصحيف. والمثبت فى مد: تصحف.
[٢] . كذا فى الأصل ومط: يوبّى. والمثبت فى مد: يؤتى. وبّأ المتاع: عبّأه.
[٣] . فى الأصل ومط، وكذلك المثبت فى مد: شعر. والتصحيح منّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>