فحمله إلى ابني حمدان وأخذ عليه منهما جائزة سنيّة ودل على جثّته فحمل إلى الموصل وقطعت يده ورجله وحملت إلى بغداد وصلب شلوه على باب دار الإمارة بالموصل.
فثار العامّة وقالوا:
- «هذا رجل غاز فلا تحلّ المثلة به.» فحطّ وكفّن وصلّى عليه ودفن. وظهر من محبة العامّة له بعد هلاكه ما كان طريفا. بل لا يستطرف من الغوغاء تناقض الأهواء ولا يستنكر للرعاع اختلاف الطباع، وهم أجرأ الخلق إذا طمعوا وأخبثهم إذا قمعوا.
ومضى أبو على ابن مروان من فوره إلى قلعة كيفا، وهي قلعة على دجلة حصينة جدّا وبها زوجة باد الديلمية. [٢٦٣]
[ذكر حيلة لابن مروان ملك بها القلعة]
لمّا وصل إلى باب القلعة قال لزوجة باد:
- «قد أنفذنى خالي إليك فى مهمّات.» فظنّته حقا. فلمّا صعد وحصل عندها أعلمها بهلاكه، ثم تزوّج بها ورتّب أصحابه فيها ونزل فقصد حصنا حصنا حتى رتّب أمر جميع الحصون، وأقام ثقاته فيها وصار إلى ميافارقين. [١] ونهض أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان إلى ديار بكر طمعا فى فتح القلاع وحملا معهما رأس باد، فوجدا الأمر ممتنعا وقد أحكم ابن مروان بناه وحمى حماه. فعدلا إلى قتاله ووقعت بينهما وقعة كان الظفر فيها لابن مروان، وحصل أبو عبد الله ابن حمدان أسيرا فى يده.
[١] . ميّافارقين: أشهر مدينة بديار بكر. قيل: ما بنى منها بالحجارة فهو بناء أنو شروان، وما بنى منها بالآجرّ فهو بناء أبرويز (مراصد الإطلاع) .