فقال منقذ لحمير:«ما في العرب مثل هذا إن كان قتاله عن نيّة.» فقال له حمير: «وهل النيّة إلّا ما تراه يصنع.» قال: «إنّى أخاف أن يكون يحاول ملكا.» وحمل الأشتر في بعض حملاته، فكشف أهل الشام حتى ألحقهم بصفوف معاوية، وذلك بين صلاة العصر والمغرب، وانتهى إلى عبد الله بن بديل، وهو في عصبة من القرّاء بين المائتين إلى الثلاثمائة، وقد لصقوا بالأرض كأنهم جثى، فكشف عنهم أهل الشام، فأبصروا إخوانهم قد دنوا منهم.
فقالوا:«ما فعل أمير المؤمنين؟» قالوا: «حىّ صالح يقاتل في الميسرة، ويقاتل الناس أمامه.» فقالوا: «والحمد لله، قد كنّا ظننّا أن قد هلك وهلكتم.»
[إبن بديل يعصى مالكا ويقتل]
وقال عبد الله بن بديل لأصحابه:
«استقدموا بنا، رحمكم الله!» فأرسل إليه الأشتر أن:
«لا تفعل، أثبت للناس، وقاتل، فإنّه خير لهم، وأبقى لك ولأصحابك.» فعصاه ومضى كما هو نحو معاوية، وحوله كأمثال جبال الحديد، وفي يده سيفان، وقد خرج. فهو أمام أصحابه. فأخذ كلما دنا منه رجل قتله، حتى قتل تسعة، ودنا من معاوية، فنهض إليه الناس [٥٩٠] من كلّ جانب، وأحيط به حتى قتل ناس من أصحابه، ورجعت طائفة قد خرجوا منهزمين.
فبعث الأشتر ابن جهمان، فحمل على أهل الشام الذين يتّبعون من كان نجا من أصحاب ابن بديل، حتى نفّسوا عنهم، وانتهوا إلى الأشتر. فقال لهم:
- «ألم يكن رأيى خيرا لكم من رأيكم لأنفسكم؟ ألم آمركم أن تثبتوا مع