وقدم طغان الحاجب بينهم وأقيم مقامه فيهم. فلزموا بعد ذلك الطريقة السويّة واستشعروا المراقبة والتقيّة.
ومن أعظم الأغلاط دالّة الأتباع على السلاطين وإن سبقت خدمهم وسلفت حرمهم. فإنّها موذنة بزوال نعمهم منذرة بورود مناهل الحمام.
ومثل المدال على السلطان بتمكّنه منه كمثل راكب الأسد: فبينما تراه عزيزا رفيعا إذ صار بين براثنه ذليلا صريعا ألا وأنّ ذلك لمن أخطر المراكب وأحقّها بسوء العواقب.
وكفاك بقصّة قراتكين تذكرة وتبصرة.
ولما تمهّدت الأمور عقد مجلس حضره الأشراف والقضاة والشهود [٢٠٨] وجدّدت التوثقة فيه بين الطائع لله وبين شرف الدولة، واستقرّ ركوب شرف الدولة إلى دار الخلافة.
[ذكر ما جرى عليه الأمر فى جلوس الطائع بحضور شرف الدولة]
ركب شرف الدولة فى الطيّار بعد أن ضربت له القباب على شاطئ دجلة وزيّنت الدور التي عليها فى الجانبين بأحسن زينة، وجلس الطائع لله جلوسا عامّا وخلع عليه الخلع السلطانية وتوجّه وسوّره وطوّقه وعقد له بيده لوائين أسود وأبيض وقرئ عهده بين يديه.
وخرج من حضرته فدخل على أخته المتصلة بالطائع لله، وأقام عندها إلى وقت العصر، ثم انكفأ إلى داره والناس مقيمون على انتظاره.
ولما حمل اللواء تخرّق وانفصلت منه قطعة، فتطيّر من ذلك. فقال له الطائع لله: