وكان كتب طاهر إلى محمد بن علىّ بن عيسى بمثل ذلك قبل، فلمّا كانت ليلة الأربعاء لثمان بقين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة، وثب خزيمة بن خازم ومحمد بن علىّ بن عيسى على جسر دجلة، فقطعاه وركّزا أعلامهما عليه وخلعا محمدا، ودعوا لعبد الله المأمون، وسكن أهل الجانب الشرقي ولزموا منازلهم وأسواقهم من يومهم ذلك، ولم يدخل هرثمة حتّى تقدّمه قوم وعادوا إليه فحلفوا أنّه لا يرى مكروه [١] فدخل حينئذ.
وباكر طاهر من غد ذلك اليوم وهو يوم الخميس المدينة وأرباضها، والكرخ وأسواقها، وهدم قنطرتى الصراة العتيقة والحديثة واشتدّ عندهما القتال، وباشر طاهر القتال بنفسه وقاتل بين يديه أصحابه حتّى هزم أصحاب محمد، وفرّوا على وجوههم لا يلوى أحد على أحد حتّى دخل قسرا بالسيف، وأمر مناديه بالأمان لمن لزم منزله، ووضع بقصر الوضّاح وسوق الكرخ والأطراف قوّادا وجندا فى كلّ موضع على قدر حاجته منهم، وقصد [١٠٩] إلى مدينة أبى جعفر فأحاط بها وبقصر زبيدة وقصر الخلد من لدن الجسر إلى باب خراسان وباب الشام وباب الكوفة وباب البصرة وشاطئ الصراة إلى مصبّها فى دجلة بالخيول والسلاح، وثبت على قتال طاهر حاتم بن الصقر والهرش، فنصب المجانيق خلف السور على المدينة وبإزاء قصر زبيدة وقصر الخلد ورماه.
وخرج محمد بأمّه وولده إلى مدينة أبى جعفر وتفرّق عنه عامّة جنده وخصيانه وجواريه فى السكك والطرق لا يلوى منهم أحد على أحد وتفرّق