للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شأن الرأى الاستخذاء [١] للهوى، إذا جرى الهوى على عادته.

وقد عرفنا [١١٩] رجالا كان الرجل منهم يؤنس من قوّة طباعه، ونبالة رأيه ما تريه نفسه أنّه على إزاحة الهوى عنه، وإن جرى على عادته، ومعاودته الرأى، وإن طال به عهده قادر، لثقة يجدها بقوّة الرأى. فإذا تمكّن الهوى منه، فسخ عزم رأيه، حتى يسمّيه كثير من الناس ناقصا في العقل. فأمّا البصراء فيستبينون من عقله عند غلبة الهوى عليه ما يستبان من الأرض الطيّبة الموات.

- «واعلموا أنّ في الرعية صنفا من الناس هم بإساءة الوالي أفرح منهم بإحسانه، وإن كان الوالي لم يترهم، وكان الزمان لم ينكبهم، وذلك لاستطراف حادثات الأخبار، فإنّ استطراف الأخبار معروف من أخلاق حشو الناس. ثمّ لا طرفة عندهم فيما اشتهر، فجمعوا في ذلك سرور كلّ عدو لهم ولعامّتهم مع ما وتروا به أنفسهم وولاتهم.

فلا دواء لأولئك إلّا بالأشغال. وفي الرعية صنف وتروا [٢] الناس [١٢٠] كلّهم وهم الذين قووا على جفوة الولاة، ومن قوى على جفوتهم فهو غير سادّ ثغرا ولا مناصح [٣] إماما، ومن غشّ الإمام فقد غشّ العامّة وإن ظنّ أنه للعامة مناصح، وكان يقال: لم ينصح عملا من غشّ عامله.

- «وفي الرعيّة صنف تركوا إتيان الملوك من قبل أبوابهم وأتوهم من قبل وزرائهم. فليعلم الملك منكم أنّ من أتاه من قبل بابه فقد آثره بنصيحته [٤] إن كانت عنده، ومن أتاه من قبل وزرائه فهو موثر للوزير على الملك في جميع ما يقول ويفعل.


[١] . استخذى له: انقاد واتّضع.
[٢] . غ: ضروب وتروا.
[٣] . غ: بدون «لا» .
[٤] . غ: بنصيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>