للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب بغداذ فيهم فسألهم عن مواضعهم وكيف هي فى الحرّ والبرد والأمطار والوحول والبقّ والهوامّ [٤٣٤] فأخبره كلّ واحد بما عنده. فوجّه من قبله رجالا حصفاء فبات كلّ رجل منهم فى قرية منها، ثمّ تنحّر [١] أخبارهم واختيارهم فاجتمعوا على صاحب بغداذ.

فيحكى أنّ الراهب الذي كان قريبا من بغداذ قال لأبى جعفر:

- «إنّ الذي يبنى هاهنا مدينة اسمه مقلاص.» فقال أبو جعفر:

- «فأنا والله كنت أدعى فى حداثتي مقلاصا ثمّ انقطعت عنّى.» ووجّه المنصور فى حشر الصنّاع والفعلة من الشام والموصل وأهل الجبل ومن الكوفة والبصرة وسائر المدن وأمر باختيار قوم من أهل الأمانة والعدالة والفقه والمعرفة، فكان ممّن أحضر الحجّاج بن أرطاة وأبو حنيفة النعمان بن ثابت، وأمر بخطّ المدينة وحفر الأساسات، وضرب اللبن وطبخ الآجر، فبدئ بذلك سنة خمس وأربعين ومائة ثمّ خطّت له بالرماد، فدار عليها وعلى سورها وسككها وخنادقها، فلمّا فعل ذلك مرارا، أمر أن يجعل على تلك الخطوط من الرماد [٤٣٥] حبّ القطن ويصب عليه النفط، فنظر إليها والنار تشتعل فيها، ففهمها وعرف رسمها وأمر بحفر أساسها وبناءها وإحكام الأساس. وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا وقدّر أعلاه عشرين ذراعا، وجعل فى البناء حوائر [٢] قصب مكان الخشب فى كلّ طوفة فلمّا بلغ الحائط مقدار قامة أتاه خروج محمّد فقطع البناء.

وكان المنصور قد أرضى أصحاب القرى والمزارع، أمّا مدينته وهي بغداذ فكانت لستين رجلا، فأعطاهم العوض عنها وأرضاهم. وأمّا ما كانت حواليها،


[١] . انظر الطبري (١٠: ٢٧٤) .
[٢] . الحائرة: الهزيلة. ما فى الطبري (١٠: ٢٧٨) : جوائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>