للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فإنّى لجالس [٥٣٠] وبين يدىّ بنيّة لى فى وقتى ذلك والكانون بين يدىّ ورقاق [١] أشطره [٢] بكامخ [٣] وأسخّنه وأطعمه الصبيّة حتّى توهمت أنّ الدنيا قد اقتلعت وزلزلت لوقع الحوافر وكثرة الضوضاء فقلت: هاه، كان والله ما ظننت، ووافاني من أمره ما تخوّفت. فإذا الباب قد فتح، وإذا الخدم قد دخلوا، وإذا أمير المؤمنين الهادي على حمار فى وسطهم، فلمّا رأيتهم وثبت من مجلسي مبادرا، فقبّلت يده ورجله وحافر حماره فقال لى:

- «يا عبد الله، إنّى فكّرت فى أمرك، فقلت: يسبق إلى قلبك أنّى إذا شربت وحولي أعداؤك، أزالوا ما حسن من رأيى فيك، فأقلقك وأوحشك، فصرت إلى منزلك لأونسك وأعلمك أنّ السخيمة قد زالت عن قلبي لك، فهات فأطعمنى ما كنت تأكل، وافعل فيه ما كنت تفعل، لتعلم أنّى قد تحرّمت بطعامك وأنست بمنزلك، فيزول خوفك ووحشتك.» فأدنيت إليه ذلك الرقاق والسّكرّجة التي فيها الكامخ فأكل منها، ثمّ قال:

- «هاتوا الزّلّة التي [٥٣١] أزللتها لعبد الله من مجلسي.» [٤] فأدخل إلىّ أربعمائة بغل موقرة دراهم وقال:

- «هذه زلّتك، فاستعن بها على أمرك واحفظ لى هذه البغال عندك لعلّى أحتاج إليها لبعض أسفارى.» ثمّ قال: «أظلّك الله بخير.» ثمّ انصرف راجعا.


[١] . الرّقاق: خبز رقيق، أو عجنه رقيقه.
[٢] . فى الأصل ومط: أشطره. فى آوالطبري (١٠: ٥٨٤) : أسطره. شطره: جعله نصفين.
سطره: قطعه نصفين.
[٣] . الكامخ: إدام يؤتدم به.
[٤] . الزّلة (بفتح الزاء وضمّها) : الصنيعة. الوليمة. العرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>