فما حفلت بقول الغلام. فلمّا صرنا على باب الدار، وكان فى درب لا منفذ له، فتح البابين، وإذا النساء خرجن منشورات الشعور متحزّمات بالحبال يلطمن وجوههنّ وينادين بالويل، وقد مات الرجل، فعجبت من ذلك، وعطفت راجعا أركض ركضا لم أركض قبله مثله، والغلمان والحشم ينتظروننى لتعلّق قلب الشيخ بى. فلمّا رأونى دخلوا يتعادون، فاستقبلني مرعوبا فى قميص ومنديل ينادى:
- «ما وراءك يا بنّى؟» قلت: «إنّه مات.» قال: «الحمد لله الذي قتله وأراحك وإيّانا منه.» فما قطع كلامه حتّى ورد خادم للرشيد يأمر أبى بالركوب وإيّاى معه، فقال أبى ونحن نسير:
- «لو جاز أن يدّعى ليحيى نبوّة لادّعاها أهله له رحمه الله، [٥٤٩] وعند الله نحتسبه ولا والله ما نشكّ أنّه قتل.» فمضينا حتّى دخلنا على الرشيد، فلمّا نظر إلينا قال:
- «يا عبّاس، أما عندك الخبر؟» فقال أبى:
- «بلى يا أمير المؤمنين، فالحمد لله الذي صرعه بلسانه ووقاك يا أمير المؤمنين قطع أرحامك.» فقال الرشيد:
- «الرجل والله سليم على ما تحبّ [١] .» ورفع الستر فدخل يحيى وأنا والله أتبيّن الارتباع فى الشيخ، فلمّا نظر إليه
[١] . تحبّ: كذا فى الأصل وآ. فى الطبري (١٠: ٦٢٥) : يحبّ.