- «لا بدّ من نكبته.» فقال: «ما كنت لأنكبه ولكنّى أبعده عنكم.» فقالوا: «ينفى؟» قال: «لا، ولكنّى أوّليه ولاية دون قدره عندي وأخرجه إليها.» فرضوا بذلك، وكتبوا له على حرّان والرها فقط، وأمروه عن الخليفة بالخروج، قال عبد الله: فودّعتهم واحدا واحدا حتّى إذا صرت إلى جعفر لأودّعه قال:
- «ما على الأرض عربىّ أنبل منك يا با العبّاس، يغضب عليك الخليفة فيولّيك.» قلت: «فما ذنبي حتّى غضب، وأىّ شيء جزاء ذنبي الذي ترضى أن يعمل بى؟» فاستشاط [٥٧٥] من قولي ثمّ قال:
- «ينبغي أن يضرب وسطك وتصلب نصفا فى جانب ونصفا فى جانب آخر.» فنهضت من عنده مغضبا، وأقبلت أتردد فى أمرى، إلّا أنّى لم أجد بدّا من الخروج، فقطعت طريقي بالهمّ والغمّ لأنّى كنت لا آمنهم مع غيبتي علىّ بالسعاية بى. فبينا أنا عشية على باب الدار التي كنت نزلتها، جالسا على كرسىّ، إذ أقبل إلىّ مولى لى، فقال لى سرّا:
- «قد قتل جعفر بن يحيى البرمكىّ.» فتوهّمت أنّه قد دسّه إلىّ جعفر ليجد علىّ حجّة بكلام ينكبنى بها، فبطحته وضربته ثلاثمائة مقرعة، وحبسته بليلة طويلة على سطح دارى. فلمّا كان فى السحر، إذا صوت حلق الحديد، فارتعت ونزلت عن السطح وقلت فى نفسي:
إن هجم علىّ صاحب البريد فهي نكبة عظيمة وإن ترجّل واستأذن ففرح. فلمّا