قال:«صدقت أفما تعلم أنّه لمّا بعثه الله وأخاه إلى فرعون قال لهما:
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً. ٢٠: ٤٤ [١] فذكر المفسرون أنّه أمرهما أن يكنّياه، وهذا وهو فى عتوّه وجبريّته على ما قد علمت، وأنا بهذه الحال الذي علمت، أؤدّى أكثر فرائض الله علىّ ولا أعبد أحدا سواه أقف عند أكثر حدوده وأمره ونهيه، فوعظتني بأغلظ الألفاظ وأبشعها وأخشن الكلام وأفظعه، فلا بأدب الله تأدّبت ولا بأخلاق الصالحين أخذت، فما كان يؤمنك أن أسطو بك، فإذا أنت قد عرضت نفسك لما كنت عنه غنيّا.» فقال له الزاهد:
- «أخطأت يا أمير المؤمنين وأنا أستغفر الله.» قال: «غفر الله لك.»[٢٢] وأمر له بعشرين ألف درهم، فأبى أن يأخذها وقال:
- «لا حاجة لى فى المال، أنا رجل سائح.» فقال هرثمة وزجره:
- «تردّ على أمير المؤمنين، يا جاهل، صلته؟» فقال الرشيد:
- «أمسك عنه.» ثمّ قال له:
- «لم نعطك هذا المال لحاجتك إليه، ولكن من عادتنا ألّا يخاطب أحد الخليفة ليس من أوليائه ولا من أعدائه، إلّا وصله ومنحه، فاقبل من صلتنا ما شئت وضعها حيث أحببت.» فأخذ من المال ألفى درهم وفرّقها على الحجّاب ومن حضر بالباب.