- «إنّ هرثمة قد أنغل عليك العباد والبلاد، وظاهر عليك عدوّك، وعادى وليّك، ولقد دسّ أبا السرايا وإنّما هو بعض خوله، حتّى عمل ما عمل. ولو شاء هرثمة ألّا يفعل ذلك أبو السرايا ما فعله.» وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدّة كتب أن يرجع فيلي الشام والحجاز فأبى، وقد رجع إلى باب أمير المؤمنين عاصيا مشاقّا يظهر القول الغليظ ويتوعّد بالأمر الجليل وإن أطلق هذا كان مفسدة لغيره. فأشرب قلب المأمون عليه. وأبطأ هرثمة فى المسير. فلم يصل إلى خراسان إلّا فى شهور.
فلمّا بلغ مرو خشي أن يكتم المأمون قدومه، فضرب بالطبول لكي يسمعها المأمون. فسمعها فقال:
- «ما هذا؟» قالوا: «هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق.» وظنّ هرثمة أنّ قوله هو المقبول فأمر بإدخاله فلمّا دخل كان قد أشرب قلب المأمون ما أشرب فقال له:
- «يا هرثمة مالأت أهل الكوفة والعلويين وداهنت [١٤٢] ودسست إلى أبى السرايا حتّى خلع وعمل ما عمل، وكان رجلا من أصحابك ولو أردت أن تأخذهم جميعا لفعلت، ولكنّك أرخيت خناقهم وأجررت لهم رسنهم.» فذهب هرثمة ليتكلّم ويعتذر ويدفع عن نفسه ما قرف به، فلم يقبل ذلك منه وأمر به فوجئ على أنفه وديس فى بطنه وسحب من بين يديه.
وكان تقدّم الفضل بن سهل إلى الأعوان فى الغلظة عليه والتشديد، حتّى حبس. ثمّ دسّ إليه، بعد أن أذلّه من قتله. وقالوا مات.