للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجامع الذي بناه الخبيث ووصلوا إلى دواوينه وخزائنه وظهرت تباشير الفتح، إذ أتاه سهم غلام رومىّ كان مع الخبيث يقال له: قرطاس، فأصاب صدر الموفّق فستر ذلك عن أصحابه وانصرف إلى موضعه من الموفّقية وعولج تلك الليلة.

فلمّا كان من الغد غادي الحرب على ما به ليشدّ من قلوب أوليائه ولئلّا يدخلهم وهن. فزاد ما حمله نفسه من الحركة فى قوّة الجراحة فعظم أمرها حتّى خيف عليه واضطرب العسكر والجند والرعيّة وخافوا قوّة الخبيث عليهم. فأشار الأطباء وأهل الشفقة بأن يرجع إلى مدينة السلام، فأبى وأشفق أن ينتظم أمر الخبيث بعد ما وهن، وبلغ الغاية. ولم يبق فى أمره إلّا اليسير فأقام على صعوبة علّته وغلظ الحادثة فى سلطانه إلى أن عوفي فظهر لخاصّته وقد كان أطال الاحتجاب عنهم والخبيث فى تلك الأيّام يعد أصحابه العدات ويمنّيهم الأمانى الكاذبة.

فلمّا استقل الموفّق وتماثل وقوى على [٥٤٠] النهوض للحرب جعل [١] يحلف على منبره أنّ ذلك باطل لا أصل به وأنّ الذي ظهر لهم فى الشذاءة مثال مموّه. وكان أعاد بناء ما خرّب من مدينته ودواوينه ودوره.

فركب الموفّق وعاود الموضع بالحرب ووصل إلى تلك المواضع فهدمها ثانية ووصل أصحابه إلى قصر من قصوره فانتهبوا ما كان فيه وأخربوه وأحرقوه واستنقذوا عددا من النساء المسلمات اللواتي كان سباهنّ وأخذوا خيلا له، ولم يبق إلّا الوصول إلى قصره.

فصعب مرام ذلك على الموفّق وكثر المحامون عليه، ووافت الحرب ودامت حتّى وصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم، وحتّى لقد عدّ


[١] . أى الخبيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>