للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسرى تساقط [١] هرقل في جنوده إلى نصيبين. فوجّه لمحاربة هرقل رجلا من قوّاده يقال له: راهزاذ [٢] ، في اثنى عشر ألف رجل من الأنجاد، وأمره أن يقيم بنينوى- وهي التي تدعى الآن الموصل- على شاطئ دجلة، ويمنع الروم أن يجوزوها.

وكان كسرى بلغه خبر هرقل، وأنّه مغذّ، وهو يومئذ مقيم بدسكرة الملك. فنفذ راهزاذ لأمر كسرى، وعسكر حيث أمره. فقطع هرقل دجلة في موضع آخر، إلى الناحية التي كان فيها جند فارس. فأذكى راهزاذ [٢٣٣] العيون عليه، فانصرفوا إليه، فأخبروه أنّه في سبعين ألف مقاتل، فأيقن راهزاذ ومن معه من الجند، أنّهم عاجزون عن مناهضته. فكتب إلى كسرى غير مرّة دهم هرقل إياه بمن لا طاقة له ولمن معه بهم، لكثرتهم وحسن عدّتهم. كل ذلك يجيبه كسرى بأنّه إن عجز عن الروم فلن يعجز عن استقتالهم [٣] وبذل دمائهم في طاعته.

فلمّا تتابعت على راهزاذ جوابات كسرى بذلك، عبّى جنده وناهض الروم بهم. فقتلت الروم راهزاذ وستة آلاف رجل، وانهزمت بقيّتهم وهربوا على وجوههم. وبلغ كسرى قتل الروم راهزاذ وما نال هرقل من الظفر، فهدّه ذلك، وانحاز من دسكرة الملك إلى المدائن، وتحصّن بها لعجزه كان عن محاربة هرقل، وسار هرقل حتّى كان قريبا من المدائن. فلما تساقط إلى كسرى خبره واستعدّ لقتاله انصرف إلى أرض الروم. وكتب كسرى إلى قوّاد الجند الذين انهزموا، يأمرهم أن يدلّوه [٢٣٤] على كلّ رجل منهم ومن أصحابه، ممن فشل في تلك الحرب ولم يرابط مركزه فيها، فأمر بأن يعاقب بحسب ما استوجب. فأحوجهم [٤] بهذا الكتاب إلى الخلاف عليه وطلب الحيل لنجاة أنفسهم منه. وكتب إلى شهربراز


[١] . تساقط وسقط إليه القوم: نزلوا.
[٢] . في الطبري: راهزار (٢: ١٠٠٤) .
[٣] . مط: استقبالهم.
[٤] . في الطبري: فأخرجهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>