للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول لمن يثق به من أصحابه:

- «إذا رأيتمونى أذكر عدىّ بن زيد عند الملك بخير، فقولوا: إنّه لكما يقول، ولكنّه لا يسلم عليه أحد، وإنّه يقول: إنّ الملك- يعنى النعمان- إنّما هو عامله، وإنّه هو الذي ولّاه ما ولّاه.» ولم يزالوا بهذا وأشباهه، حتى أضغنوه عليه. ثمّ إنّهم كتبوا كتابا عن عدىّ إلى قهرمان [١] كان له، ودسّوا له حتّى أخذ الكتاب، وأتى به النعمان، فقرأه وأغضبه.

[٢٤٢] فأرسل إلى عدىّ بن زيد:

- «عزمت عليك إلّا زرتنى، فإنّى قد اشتقت إليك.» وهو عند كسرى.

فاستأذن كسرى، فأذن له. فلمّا أتاه، لم ينظر إليه، حتى حبس في محبس لا يدخل عليه فيه أحد. فجعل عدىّ بن زيد يقول الشعر، ويبلغه النعمان، وكان أوّل ما قاله في السجن:

ليت شعري عن الهمام ويأتي ... ك بخبر الأنباء عطف السّؤال [٢]

وقال أشعارا كثيرة [٣] ، وكان كلما قال عدىّ من الشعر شيئا بلغ النعمان وسمعه، فندم على حبسه إيّاه، وعلم أنّه كيد فيه. فكان يرسل إليه، ويعده ويمنّيه، ويفرق [٤] أن يرسله [٥] فيبغيه الغوائل. فلمّا طال سجن عدىّ وأعياه التضرّع إلى النعمان بالأشعار التي يستعطفه فيها مرّة ويخبره فيها بما كيد به مرّة، ومرّة يذكّره


[١] . القهرمان: أمين الملك ووكيله الخاص بتدبير دخله وخرجه.
[٢] . تجد البيت عند الطبري ٢: ١٠٢٠، وفي أيّام العرب: ١٥.
[٣] . أنظر الطبري ٢: ١٠١٩، وأيام العرب: ١٤.
[٤] . يفرق: يخاف، يفزع.
[٥] . يرسله: يطلقه من السجن.

<<  <  ج: ص:  >  >>