عيسى لمّا فسخ ضمانه لتلك الأعمال والبلدان التي ذكرناها وبذل أن يقوم بالأمور ويدبّر الأعمال. وكان الذي حمله على ذلك ما كان يبلغه من عزم المقتدر بالله على تقليد ابن الفرات لمّا كثر ضجيج الحاشية من علىّ بن عيسى لتأخيره عنهم أرزاقهم وأرزاق الحرم والولد، واقتصر بالخدم والحاشية والفرسان على البعض من استحقاقاتهم وحطّ من أرزاق العمّال شهرين فى كلّ سنة ومن أرزاق المنفقين وأصحاب الأجناد والبرد [١] والقضاة أربعة أشهر فزادت عداوة الناس له وخشي حامد بن العبّاس من ابن الفرات لمّا سلف [١٦٦] منه إليه ولما عامل به ابنه المحسّن وسائر كتّابه وأسبابه.
فأمره المقتدر أن يكتب رقعة بخطّه بما يضمنه ويبذله وبتسمية من يقلّده الدواوين، ففعل حامد ذلك وعرض المقتدر بالله رقعته على ابن الفرات وهو فى حبسه وشرح له أمره.
فقال ابن الفرات:
- «لو اجتمع مع حامد بن العبّاس الحسن بن مخلد وأحمد بن إسرائيل وسائر من شهر بالكفاية لما كان موضعا لتدبير المملكة ولا لضبط أعمال الدواوين وأنّه إن قلّد ذلك انخرقت الهيبة وزالت الحشمة وإن علىّ بن عيسى على تصرّف أحواله أقوم منه وأعرف بالأعمال والتدبير.» ثمّ إنّه قال:
- «أنا أتضمّن خمسة أضعاف ما ضمنه حامد إن أعاده ومكّنه ممّا يريد.» فوعده المقتدر بذلك. وكان حامد مقيما ببغداد لا يدخل نفسه فى شيء من الأمور ولا يزيد على أن يحضر فى أيّام المواكب وينصرف. وضجر حامد من مقامه ببغداد لقبح حاله فى الذلّ، ولأنّه افتضح بما كان يعامله به علىّ
[١] . ما فى الأصل: البرد، بفتح الباء. والبرد جمع البريد.