- «ما جرّأ هذا الكلب على خطابي بحضرتك فى هذا الباب إلّا لأنّه قد وقف على فساد رأيك فىّ، وإنّما أفسدك علىّ من قدّر أن يتولّى كتابتك وهو هذا العلج الحسن بن هارون وأهون به وبهذا الخازن وبجميع غلمانك ورجالك علىّ، وأنا عقدت لك هذه الحال وهذا الأمر [٢٨٧] والآن فو الله لا نظرت فى شيء من أمرك، فاعمل ما شئت.» ونفض يده فى وجهه وخرج من مجلسه. فجعل ابن أبى الساج يحلف له أن يعود فلا يفعل ويحلف إنّه لا يرجع.
فلمّا طال ذلك بينهما وبلغ أن يعطف إلى دهليز يغيب به عن عينه قال ابن أبى الساج لغلمانه:
- «ضعوا أيديكم فى قفا الكلب اللاحد الخنزير [١] فأسمعونى صوته بالصفع.» فصفع نحو من مائة صفعة وأخذ سيفه ومنطقته. واستدعى ابن أبى الساج عبد الله بن علىّ وأحضر للوقت فوجّه به إلى دار محمّد بن خلف ليحفظها ويقبض على سائر غلمانه وأسبابه وخزائنه، وكان عبد الله بن علىّ مشهورا بالعفاف والثّقة. وتقدّم إلى الحسن بن هارون بأن يتقلّد كتابته مكانه واستحلفه أن يدخل إلى الحجرة التي اعتقل فيها ويقيّده بخمسين رطلا ويلبسه قميص بايباف ففعل به الحسن بن هارون ذلك فقال له:
- «يا محمّد بن خلف أخبرنى أغرّك أنّى أقول لك: يا مولاي؟ إنّما كنت أسخر منك، أيّنا كان أبعد غورا وتدبيرا، أنا أم أنت؟»
[١] . كذا فى مط ومد: الخنزير. وفى الأصل: الجنزير. واللاحد: الذي يعمل اللحد.