وأشار أبو بكر بن مقاتل بمثل ذلك فأذن ابن رائق فى العقد عليه فقلّد أبو يوسف أبا الحسن ابن أسد أعمال الخراج بالبصرة وكان والى الحرب بها محمّد بن يزداد فخرج أهل البصرة بأجمعهم إلى سوق الأهواز لتهنئة البريدي بالولاية وكان جمعهم عظيما جدا. وكان أبو الحسين ابن عبد السلام الهاشمي وجيه البصرة قد شذّ عن ابن رائق لأنّه قصّر به وحطّ منه بالبصرة، فقصد أبا عبد الله البريدي وأبا يوسف أخاه فطرح نفسه كلّ مطرح عندهما وأشار إليهما بالغلبة على البصرة وإنفاذ العساكر إليها وذكر طاعة الخول وأهل الأنهار له.
فأخذ أبو عبد الله فى بناء الشذاءات والزبازب والطيّارات والاستكثار منها حتّى اجتمعت له مائة قطعة فى نهاية الوثاقة والجودة. فحين وافاه أهل البصرة [٥٥١] للتهنئة قرّبهم وأكرمهم ورفع منهم وقال:
- «قد اطّلع أبو الحسين بن عبد السلام على نيّتى الجميلة فيكم ومحبتي لصلاحكم وإعداد آلة الماء للجيوش الذين أحصّن بهم بلدكم من القرامطة وكنت مستغنيا عن ضمان البصرة إذ لا فائدة لى فيها وإنّما امتعضت لكم من ظلم ابن رائق ومحمّد بن يزداد خليفته لكم وتحمّلت فى مالي أربعة آلاف دينار فى كلّ شهر بإزاء ما كان يؤخذ من الشرطة والمآصير والشوك تخفيفا عنكم وقد أزلت جميعها وهذا خطّى برفعها عنكم.» ووقّع بذلك توقيعا وسلّمه إليهم وكثر الدعاء والضجيج بشكره. ثمّ قال لهم:
- «إنّه سيبلغ هذا ابن رائق فينكره ويوحشه منّى ويصير سببا للعداوة بيني وبينه. وو الله ما أبالى أن يعاديني أخواى ابو يوسف وأبو الحسين وابني أبو القاسم فى صلاحكم. لأنى أعلم أنّ فيكم بنى هاشم وطالبيين وأولاد المهاجرين والأنصار، ومن حرمة الإسلام صيانتكم وأنّى لأقدر أنّ الله عزّ وجلّ يغفر لى كلّ ذنب بإزالة الأذيّة عنكم وسيروم ابن رائق ردّ ما قد أزلته