مكان الترجمان أحمد بن خاقان، وتأسّف الوزير أبو الحسين على أربعمائة ألف دينار ذهبت ضياعا. ورهب الناس البريدي رهبة عظيمة لعسفه وتهوّره وطمعه، فهمّ أرباب النعم بالانتقال.
فتحدّث بعض المختصّين بأبى الحسن علىّ بن عيسى قال:
كنت بين يديه أنا وأولاده وأخوه وخواصّه فى تلك الأيّام ونحن نتحدّث بأمر البريدي وموافاته الحضرة ونتجارى جرأته وإقدامه وقلّة اكتراثه وأنّه ينعل الناس بنعال الدوابّ وأشارت الجماعة عليه بألّا يقيم ببغداد وأن يخرج هو وعياله إلى الموصل إلى أبى محمّد الحسن بن عبد الله بن حمدان وفزّعناه وهوّلنا عليه وهو لا يصغى إلى رأينا، فلمّا أكثرنا عليه ترجّح رأيه. ثمّ أطلق لى مائتي دينار على أن أبكّر وأكترى له بها زواريق ليصعد هو فيها وعياله إلى الموصل. فباكرنى رسوله مع السحر يأمرنى بالمصير إليه [٤٤] وجئت وسألنى فعرّفته أنّى ما مكّنت من امتثال أمره بمباكرة رسوله واستدعائه إيّاى.
فقال:
- «ويحك لفكّرت البارحة فيما أشرتم به فوجدته خارجا عن الصواب مفسدا للدين. أيهرب مخلوق إلى مخلوق؟ اصرف تلك إلى وجوه الصدقة فإنّى مقيم.» فرددتها إلى خزائنه وأقام. فلمّا قرب البريدي انحدر إليه وتلقّاه فأكرمه أبو عبد الله غاية الإكرام ووفّاه حقّه وأعظمه ومنعه من أن يخرج من طيّاره وانتقل هو إليه وشكر برّه وخاطبه بنهاية الإكرام والتعظيم.
ودخل أبو عبد الله البريدي بغداد ومعه أخوه أبو الحسين وابنه أبو القاسم وأبو جعفر ابن شيرزاد يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان. فنزلوا البستان الشفيعى وتلقّاه الوزير أبو الحسين ابن ميمون والكتّاب والعمّال والقضاة والوجوه وكان معه من الشذاءات والطيارات والحديديات والزبازب