ثم ابتدأ يحدّثهم أنّه كان بخراسان فى خدمة نصر بن أحمد. قال:
- «ونحن يومئذ فى شرذمة من الديلم وكان يجلس نصر بن أحمد للسلام فى كل أسبوع مرّتين فجلس ذات يوم وحواليه من مماليكه ومماليك أبيه بضعة عشر آلاف غلام سوى سائر العسكر فرأيت شيرنجين هذا قد جرّد دشنيا [١] واشتمل عليه بكسائه. فقلت له:
- «ما هذا؟» قال: «أريد أن أصنع اليوم ما أذكر به آخر الدهر.» قلت: «وما هو؟» قال: «أدنو كأنّى متظلم أو طالب حاجة فأقبّل الأرض ولا أزال أدنو حتى إذا وثقت بالوصول إلى هذا الغلام (يعنى نصر بن أحمد) فتكت به ثمّ لا أبالى أن أقتل بعده وقد أنفت من القيام بين يدي صبىّ.» وكان لنصر بن أحمد يومئذ عشرون سنة وقد خرجت لحيته.
فعلمت أنّه إن فعل لم يقتل وحده حتى نقتل كلّنا معه معاشر الديلم فأخذت بيده وقلت له:
- «بيني وبينك حديث.» وجمعت عليه الديلم وحدّثتهم بما همّ به وما يجيء علينا كلّنا إن تمّ له ما يريد فقبضوا على يده وأخذوا منه الدشنى.
أفتريدون من بعد أن سمعتم رأيه فى نصر بن أحمد أن أمكّنه من الوقوف بين يدي هذا الصبى؟ [١٦٥] فأمسكوا عنه وقالوا:
- «الأمير أعلم بجيشه.» ولم يزل محبوسا حتى توفّى فى محبسه.
[١] . فى الأصل ومط: دشنيّه. والمثبت فى مد: دشنيا. وأصله الفارسي: دشنه: أى خنجر. والمثبت فى حواشي مد: دشته، وهو خطأ.