ثم زاد الأمر وبلغ إلى أن أمر حسنويه الأكراد أن يحمل كلّ فارس منهم على رأس رمحه ما أطاق من الشوك والعرفج ويقرب من معسكر سهلان ما استطاع ويطرحه هناك ففعلوا ذلك وهم لا يدرون ما يريد بذلك فلما اجتمع حول عسكر سهلان شيء كثير فى أيام كثيرة تقدم بطرح النار فيه من عدّة مواضع فالتهب وكان الوقت صيفا وحميت الشمس عليهم مع حرّ النهار فأخذ بكظمهم وأشرفوا على التلف فصاحوا وطلبوا الأمان فرفق بهم وأمسك عمّا همّ به.
وبلغ ذلك ركن الدولة فلم يحتمل هذا كلّه له وتقدم إلى وزيره أبى الفضل محمد بن الحسين العميد- وهو الأستاذ الرئيس- بقصده واستئصال شأفته، وأمره بالاستقصاء والمبالغة.
فانتخب الأستاذ الرئيس الرجال وخرج فى عدّة وزينة وخرج ركن الدولة مشيّعا له وخلع على القواد ووقف حتى اجتاز به العسكر قائد بعد قائد وكوكبة بعد كوكبة، ورضى العدة والقوة [٣٤٥] فودع حينئذ الوزير ابن العميد وعاد إلى الري.
وسار الوزير ومعه ابنه أبو الفتح وكان شابّا قد خلف أباه بحضرة ركن الدولة وعرف تدبير المملكة وسياسة الجند فهو بذكائه وحدّة ذهنه وسرعة حركته قد نفق نفاقا شديدا على ركن الدولة وهو مع ذلك لقلّة حنكته ونزق شبابه وتهوره فى الأمور يقدم على ما لا يقدم عليه أبوه ويحبّ أن يسير فى خواص الديلم ويمشون بين يديه ويختلط بهم اختلاط من يستميل بقلوبهم ويخلع عليهم خلعا كثيرة ويحمل رؤساءهم وقوّادهم على الخيول الفرّه [١]