فقلت:«وكيف؟» قال: «لأنّه مانعنا ثم تقرب به إلينا غيره، فإن وقع إحسان إليه سوّينا بينه وبين من خدمنا بالقبض عليه فخبثت نيّات من يخدمنا فى أعدائنا وظنّوا أنّا لا نميّز فى الإحسان بين الولىّ والعدوّ وبين المجيب والممتنع، ومع ذلك فإنّ بين أيدينا قلاعا ما فتحت بعد وإن بلغ أصحابها الممتنعين فيها إحساننا إلى هذا زالت الرهبة عن قلوبهم وطمعوا فى مثل عاقبة هذا بعد حصولهم [٤٩٨] فى أيدينا إن حصلوا وسلامتهم فى مواضعهم إن سلموا.» ثم قال:
- «ولأنّ لى فيه رأيا وهو أن أنفذه إلى صاحبه أبى تغلب فإنّه سيموّه على صاحب مصر [١] به وبقلعته ويدّعى أنّها فى يده وفيها ذخائره وثقاته وأنّ ماله فى هذه القلاع يفي بمؤونته إن أمدّ بالرجال ولا تزال مخاريقه مشتبهة وجائزة هناك إلى أن يطلع عليه هذا وتتقدمه الأخبار بما جرى عليه فحينئذ تبطل تمويهاته وتظهر فاقته وأنّه طريد سيوفنا وإنّما أفلت بحشاشته وليس وراءه عدّة ولا ذخيرة ولا قلعة.» فلمّا سمعت هذا الجواب علمت أنّه صواب فى سياسة الوقت وأنّ معارضته فيه خطأ فأمسكت.
وبلغ طاشتم ما عزم عليه من تسييره إلى صاحبه مقيدا بحالته تلك فقلق جدّا وراسلني يسئلنى المصير إلى محبسه فصرت إليه تذمما فوجدته كثير البكاء لا يستقرّ على الأرض قلقا فقلت:
- «ما شأنك؟» فقال: «إنّ الملك كان آمنني على نفسي وأراه الآن قد بذلنى لمن لا يبقى