عضد الدولة والناس يرونى فى طريقي، فمن منكر لى يقول:«مجنون وقد أفلت» ومن عارف بى قد علم أنّى هارب.
فلمّا وقفت فى الميدان رأيت الستائر ممدودة وعضد الدولة قائم على الروشن وأنا لا أعلم، وعلى ابن بشارة الفراش على قرب منه، فصحت ودعوت، فبادر الىّ على بن بشارة وأومى الىّ «أن اسكت وصر الى باب [٧٤] البستان» .
فصرت اليه وخرج الىّ وقال:
- «من أنت وما قصتك؟» فشرحت له حالي وظلامتي من أسفار، فأجلسنى عند البوابين وعاد، وإذا به قد خرج فأدخلنى وقال: إنّ الملك كان واقفا وقت مجيئك وهو الذي رآك فإذا رأيته فقبّل الأرض بين يديه وأكثر الدعاء له.
فمشيت وأنا أحجل فى القيد حتى قربت منه فى الموضع الذي شاهدته أولا فيه، فتداخلني من الهيبة والجزع ما لم أملك نفسي معه، فقبّلت الأرض مرارا ودعوت له دعاء كثيرا وبكيت وسكتّ. فقال لعلى بن بشارة:
- «قل له حتى يشرح صورته.» فقلت: «ما لى لسان يطاوعني على القول لعظم ما قد تداخلني من الرهبة والخوف.» فقال: «تكلم ولا تخف.» فقلت: «إنّ أسفار قبض ضيعتي وطالبني بما لا قدرة لى عليه وحبسني فى القيد منذ سبعة أشهر.» فأطرق ساعة ثم قال لى:
- «عد الى دار أبى زهير وأعلمه أنك جئتنا وشرحت حالك لنا وأنّا أمرناك بالعود اليه.»