- «أتعرف الرجل.» قال: «نعم.» قال: «فامض الى السجن فانظر.
فلمّا دخل رأى الرجل حيّا وهو مقيد فعاد وقال:
- «قد وجدته حيّا.» قال المعتضد:
- «إنّما أمرت بإخراج غيره من المفسدين الذين قطعوا الطريق وأخذوا المال وقتلوا ووجب صلبهم، فهو الذي رأيتموه مصلوبا وظهر للعامة أنّ المصلوب هو الجاني بالأمس إيداعا للرهبة فى قلوبهم، فما تعديت حدود الله.» ولقد وفّق المعتضد بالله رضى الله عنه، وهل يدافع عن حسن سياسة يضرب بها المثل؟
وبلغني أنّ بعض أمراء مصر كثر المفسدون فى أيامه فقتل وتعدّى حدود الله التي أتت بها الشريعة فتضاعف الفساد حتى وقف أمره، فأشير عليه باتباع الشرع فأحضر أحد الفقهاء المجتهدين وشاوره واستفتاه وعرض عليه من فى السجون وذكر له أحوالهم، فأفتاه بما أمر الله تعالى به، فأقام الحدود فيهم بالعدل من غير زيادة ولا نقصان وسلك هذه الطريقة الحميدة فيمن ظفر به من المفسدين، فما مضى من الزمان إلّا قليل حتى استقامت له الأحوال فانقطع الفساد فأمنت البلاد [٨٠] وليس للمخلوقين أن يحتاطوا بصلاح الأمّة بزيادة على أمر الخالق ربّ العالمين، سبحانه وتعالى.
وما أحسن سيرة هذه الدولة التركية، فإنّ مندوبا للمظالم قد وسموه ب «أميرداذ» معناه أمير العدل يجلس للمظالم والى جانبه حاكم من أهل العلم