- «عرفت أنّه معوّل على الهرب فى هذه الليلة وأنّه أخذ الدراهم وجعلها فى أكياس نفقة الطريق.» فانزعج بهاء الدولة لذلك وسهر ليلته يراعيه وينفّذ فرّاشا بعد فرّاش إلى داره ليعرف ما هو فيه. إلى أن أسفر الصبح ولم يكن لما ذكره الحسين الفرّاش أصل وإنّما أراد الإغراء به.
وعطفت الجماعة بعد ذلك على بهاء الدولة باللوم له ولا سيّما أبو الحسن ابن عمرو فإنّه كان عدوّا لنحرير وقال:
- «أيّها الملك قد أسرفت فى مداراة هذا الخادم إسرافا يشيع ذكره وأصرّ على مخالفتك إصرارا يصغر عنه قدره.» وما زالوا بهذا القول وأمثاله حتى غيّروا رأيه فى نحرير وزادوا غيظه منه.
فحضر نحرير بعد أيّام ومعه أبو نصر ابن كعب وكان خصيصا به، وأبو الحسن محمد بن عمر وأبو منصور الوزير وأبو سعد ابن الخيّاط فى الحجرة مجتمعون، فأذن بهاء الدولة فى القبض عليه.
ورأى أبو نصر أمارات التغيّر والتنكّر، فأشار إلىّ بيده وقال:
- «ما الخبر؟» فأومأت إليه بالقيام فقام وتبعه أبو سعد ابن الخيّاط، وأخذ أبو نصر ابن كعب إلى الخزانة فاعتقل فيها. وبقي أبو الحسن محمد بن عمر ونحرير. فقال له محمد بن عمر:[٢٣٠]- «يا هذا قد أسرفت فى الدولة ومن أنت وما قدرك حتى تمتنع من خدمة هذا الملك العظيم؟» فأغلظ له فى القول ونحرير مطرق. فلمّا زاد الأمر عليه رفع رأسه وقال له:
- «أيّها الشريف، أين كان هذا القول منك فى أيّام مولاي وأنت ترى