- «الديلم يرمون كل من يرد من نهر عمر.» وجعل أمامه سلسلة حديد ممتدة من إحدى حافتي نهر ابن عمر إلى الأخرى ليدفع عن الجسر ما يرسل على الماء من شاشات القصب المضرمة بالنار تغوص بثقلها فتعبر الشاشات عليها فتغرقها.
فى عسكر البطيحة من نهر ابن عمر وجمعوا قصبا كثيرا بعرض النهر وأرسلوه مضرما بالنار وجعلوا سفنهم التي فيها مقاتلتهم من ورائه، فوقع على السلسلة وتقطّعت وعلى السفن الصغار فاحترقت ووصل إلى الجسر ودخل عسكر البطيحة البصرة يقدمهم ابن مرزوق وعسكره إلى الجزيرة.
وحصل لشكرستان بسوق الطعام وهي فسيحة واستمرّ القتال بين الفريقين وكان للديلم الاستظهار فى الحرب ولهؤلاء قطع الميرة.
فراسل لشكرستان مهذّب الدولة وسأله المصالحة والموادعة وبذل له الطاعة والمتابعة على أن يقيم له الخطبة ويسلّم ابنه إليه رهينة. فمال مهذّب الدولة إلى الصلح وسلّم لشكرستان ابنه أبا العز واتّصل الصفاء واستمرّ الوفاء زمانا طويلا.
وأظهر لشكرستان طاعة صمصام الدولة وبهائها وأمّر نفسه واعتضد بما عقده بينه وبين مهذّب الدولة من المودة، وعسف أهل البصرة مدة، ثمّ عدل فيهم وأحسن السيرة بهم وخفّف [٣٨٩] الوطأة عنهم بعد أن قرّر نصف العشر عليهم. وكان يؤخذ من سائر ما يتبايع حتى من المأكولات، وعاد البصريون إلى دورهم ومنازلهم.
والذي تكثر به العشرة وتطول فيه الفكرة ويستفاد منه التبصّر وتنتفع بمثله التجربة خامل حالتي بهاء الدولة ومهذّبها. كيف اختلّ أمر ذلك وهو عريق فى الملك صاحب مملكة لسوء سيرته! وكيف استقام أمر هذا وهو دخيل فى الإمارة صاحب بطيحة لحسن طريقته!