لما ورد الموفق قادما من كرمان أقام على الاستعفاء وواصل مراسلة بهاء الدولة فيه والإلحاح فى مسألته إياه. فحضر عنده أبو سعد فناخسره بن باجعفر وأبو دلف لشكرستان ابن ذكى وكانا يختصان به فى الليلة التي قبض عليه من غدها وقالا له وأبو العلاء الإسكافى حاضر:
- «أيها الموفق أىّ شيء آخر ما أنت عليه من ركوب الهوى ومخالفة الرأى فى هذا الاستعفاء، وما الذي تريده لنبلغه لك: إمّا بالملك أو بنفوسنا؟
فإن كان قد غاظك من أبى على ابن أستاذ هرمز [٣٤] أو أبى عبد الله الحسين بن أحمد فعل أو تريد بهما أمرا فنحن نضع عليهما من يفتك بهما ونقود الملك إلى أخذهما وتسليمهما إليك، أو كان فى نفسك غير ذلك فاصدقنا عنه وأطلعنا عليه لنتبع هواك فيه.» فقال لهما:
- «أمّا أبو على ابن أستاذ هرمز، فبيني وبينه عهد منذ كوننا بالأهواز وما أرجع عنه، وأمّا أن يكون فى نفسي ما أطويه عنكما فمعاذ الله. ولكنني قد خدمت هذا الملك وبلغت له أغراضه وما أريد الجندية بعد ما مضى.» فقالا- وقال أبو العلاء الإسكافي- له:
- «لا تفعل ودع ما قد ركبته من هذه الطريق وأقمت عليه من هذا اللجاج. فانه يؤدى إلى ما تندم عليه حين يتعذر الاستدراك ومتى قدّرت أنك تعفى وتقيم فى منزلك وينظر بعدك ناظر، وقد بلغت من الدولة ما بلغته وتقدمت بك المنزلة إلى ما تقدمت اليه، فقد قدّرت محالا. والصواب أن تدعنا لنمضى إلى الملك ونعرّفه عدولك عن رأيك ومقامك على خدمته والنظر فى أموره.» فأبى ثم قالوا له:
- «فإذا كنت على ما أنت عليه فأخّر ركوبك فى غد وارجع فكرك ونحضر