- «قد أخذنا من المقاطعة بأكثر حظّ وانتهينا فيها الى أبعد حدّ، وتأملت امرى فلم أجد لى ولدا باقيا غيرك ولا خلفا مأمولا سواك، ووجدتني قد كبرت وتقضّى عمرى إلّا القليل وقد رأيت أن أسلم الأمر والبلد والقلعة وما لى فيها إليك وأزيل الوحشة العارضة بيني وبينك وأتوفّر على أمر الله تعالى فى المدة الباقية لى معك وأقتصر على البلغة من العيش فى كنفك ومن يدك.
فإنّى لست آمن أن يقضى الله تعالى علىّ قضاءه، فيستولى على هذه القلعة من فيها ويخرج مالي ونعمتي وما جمعته طول تدبرى إلى غير ولدي ومن بقاؤه بقاء ذكرى.» ولم يزل يراسله ويطمعه حتى استغرّه وخدعه وتقرر بينهما أن يركب ابنه إلى أسفل القلعة وينزل خلف ويجتمعا على قنطرة كانت لخندق من دونها ويشاهد كل واحد منهما صاحبه ويوصى خلف إليه ويعرّفه ماله ومواضعه.
وركب طاهر وحده وجاء إلى تحت القلعة ونزل خلف على مثل هذه الصورة والتقيا على القنطرة وقبّل طاهر يد أبيه وعانقه أبوه وضمّ رأسه إلى صدره وكان تحت القنطرة فى حافات الخندق دغل كثير من بردى وحشيش يستتر فيه المستتر به، وقد كمّن له خلف مائة رجل فى أيديهم سيوف. فلما ضمّه خلف إلى صدره بكى بكاء أجهش فيه حتى علا صوته، وخرج القوم [٥١] فأمسكوا طاهر وأصعدوا به الى القلعة وقتله خلف وغسله بيده ودفنه. وتأدى الخبر الى أصحاب طاهر فاستسلموا لخلف وسلّموا البلد إليه وعاد إلى موضعه منه.
وتوصّل أبو محمد القسم الى أن أحضر جمازات وأكرادا وجعلها على قرب منه ثم خرج وركبها وهرب وصار الى شيراز فقلد العرض ووزر بعد ذلك على ما نذكره فى موضعه.
وكان أعداء خلف يراقبونه لأجل طاهر ابنه وما ظهر من نجابته ورجلته