في قتال هؤلاء القوم من خير، انصرفوا بنا.» فكان وجوههم راجعين، وارتفع النهار للمسلمين ولا يرون شيئا. وأتاهم الخبر بانصراف خاقان إلى بلخ، وقد كان يزدجرد [٤٤٩] ترك خاقان بمرو الروذ، وخرج إلى مرو الشاهجان فتحصّن منه حارثة بن النعمان خليفة الأحنف، فحصرهم واستخرج خزائنه من موضعها وخاقان ببلخ ينتظره مقيم له.
فقال المسلمون:«نحن نتبع خاقان.» فقال: «بل أقيموا مكانكم.» ولما جمع يزدجرد ما كان في يديه مما وضع بمرو وأعجل عنه، وأراد أن يستقلّ منها، حاول أمرا عظيما من خزائن أهل فارس، وكان أراد اللحاق بخاقان.
فقال أهل فارس:«ما تريد أن تصنع؟» قال: أريد اللحاق بخاقان فأكون معه أو بالصين.» فقالوا له:«مهلا، فإنّ هذا رأى سوء. إنّك إنّما تأتى قوما في مملكتهم وتدع أرضك وقومك، ولكن ارجع بنا إلى هؤلاء القوم فنصالحهم، فإنّهم أوفياء وأهل دين، وهم يلون بلادنا، وإنّ عدوّا يلينا في بلادنا أحبّ إلينا من عدوّ يلينا في بلاده، ولا دين لهم، فلا ندري ما وفاءهم.» فأبى عليهم، فأبوا عليه. قالوا:
- «فدع خزائننا نردّها إلى بلادنا ومن يليها، [٤٥٠] لا تخرجها من بلادنا إلى غيرها.» فأبى. فقالوا:«فإنّا لا ندعك.» فاعتزلوا وتركوه في حاشيته. ثم اقتتلوا، فهزموه، وأخذوا الخزائن واستولوا عليها، ونكبوه، وكتبوا إلى الأحنف بالخبر. فاعترضهم المسلمون والمشركون بمرو، فقاتلوه، وأصابوه في آخر القوم، وأعجلوه عن الأثقال ومضى حتى قطع النهر إلى فرغانة والترك، فلم يزل مقيما زمان عمر كلّه يكاتبهم ويكاتبونه إلى