واستصف مودّتى، ولا تقولنّ مثل هذا. فإنّى لم أزل لك ناصحا. [١] » وحملت عائشة إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي. وكان عبد الله هذا قتل يوم الجمعة مع عائشة، وقتل عثمان أخوه مع علىّ. وأما الجرحى فإنهم انسلّوا في جوف الليل، ودخلوا البصرة من كان يطيق الانبعاث.
وسألت عائشة عن عدة ممن كانوا معها وممن كانوا عليها. فكلّما نعى واحد منهم قالت:«رحمه الله.» فأما علىّ فصلّى على قتلى هؤلاء، وجمع الأسلاب إلى [٥٦١] المسجد بالبصرة، ونادى:«من عرف شيئا فليأخذه، إلّا سلاحا كان في الخزائن عليها سمة السلطان.» وصلّى علىّ في المسجد، ثم دخل البصرة، فأتاه الناس. ثم راح إلى عائشة على بغلته، وهي في دار عبد الله بن خلف، وهي أعظم دار بالبصرة. فوجدوا النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف، وصفيّة بنت الحارث مختمرة تبكى، فلمّا رأته قالت:
- «يا علىّ، يا قاتل الأحبّة، يا مفرّق الجمع، أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله.» فلم يردّ عليها شيئا، ولم يزل على حاله، حتى دخل على عائشة. فسلّم عليها، وقعد عندها. ثم قال:
- «جبهتنا صفيّة. أما إنى لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم.» فلما خرج علىّ أقبلت عليه، فأعادت عليه الكلام. فكفّ بغلته ثم قال:
«لهممت- وأشار إلى باب من أبواب الدار- أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه، ثم هذا، وأقتل من فيه.» وكان ناس من الجرحى لجأوا إلى عائشة. فأخبر علىّ بمكانهم فتغافل عنهم.