للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- «أشرفوا، فانظروا ما بالهم؟» فأشرفوا، فلم يروا أحدا. قال:

- «فانظروا، فلعلّهم تحت الظلال قد كمنوا لكم.» فجعلوا يخفضون شعل النار فى أيديهم، وينظرون: هل فى الظلال أحد؟

فكانت أحيانا تضيء لهم، وأحيانا لا تضيء، كما يريدون. فدلّوا أنصاف الطّنان تشدّ بالحبال، ثمّ تجعل فيها النيران، ثمّ تدلّى إلى الأرض. ففعلوا ذلك من أقصى الظلال وأدناها، فلم يروا شيئا. فعلموا أنّ القوم انصرفوا نادمين.

فأعلموا ابن زياد، فأمر بفتح باب السدّة التي فى المسجد، ثمّ خرج فصعد المنبر، وخرج أصحابه، فجلسوا حوله [٨٦] قبل [١] العتمة، ونادى:

- «برئت الذمّة من رجل من الشرطة، أو العرفاء، أو المناكب [٢] والمقاتلة، صلّى العتمة إلّا فى المسجد!» فلم تكن إلّا ساعة حتّى امتلأ المسجد.

فقال الحصين بن تميم:

- «إن شئت، صلّى غيرك، ودخلت القصر، فإنّى لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك.» فقال:

- «مر حرسى أن يقوموا ورائي، وزد فيهم، فإنّى لست بداخل بعد أن آثرت الخروج.» فصلّى بالناس، ثمّ قال:

- «أمّا بعد، فإنّ ابن عقيل، السفيه الجاهل، قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت الذمّة من رجل وجدناه فى داره، ومن جاء به فله ديته.» ثمّ توعّد الناس، وحضّهم على الطاعة، وخوّفهم الفرقة والفتنة. نادى حصين


[١] . فى مط: قبيل.
[٢] . فى مط: المناكث. والباء مهملة فى الأصل. والمنكب من القوم: عريفهم أو عونهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>