تدانيا، هجم الشتاء، فانصرف كلّ واحد إلى مكانه حتّى إذا كان سنة تسع وستين- وقد قيل سنة سبعين- خرج عبد الملك من دمشق نحو العراق يريد مصعب بن الزبير، فقال له عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق:
- «إنّك تخرج إلى العراق وقد كان أبوك وعدني هذا الأمر من بعده، وعلى هذا، جاهدت معه وقد كان من بلائي معه ما لم يخف عليك، فاجعل لى هذا الأمر من بعدك.» فلم يجبه إلى شيء من ذلك. فانصرف عمرو إلى دمشق، فغلب عليها. ورجع عبد الملك فى أثره وإنّ عمرا اجتمع الناس إليه، فصعد المنبر فخطبهم، وقال بعد حمد الله والثناء عليه:
- «أيها الناس إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر، إلّا زعم أنّ له جنّة ونارا يدخل الجنّة من أطاعه، والنار من عصاه. وإنى أخبركم أنّ الجنة والنار بيد الله، وأنه ليس إلىّ من ذلك شيء. غير أنّ لكم علىّ حسن المواساة والعطيّة.» ثمّ إنّ عبد الملك وعمرا اقتتلا أياما على باب دمشق [٢٨٢] وتأدّى الأمر بينهما إلى الموادعة والصلح، وكتبا بينهما كتابا وآمنه عبد الملك.
فيقال: إنّ عمرو بن سعيد جاء فى خيل متقلّدا قوسا، وأقبل حتّى أوطأ فرسه سرادقات عبد الملك، فانقطعت الأطناب وسقط السرادق، ونزل عمرو فجلس وعبد الملك مغضب، فقال لعمرو:
- «يا با أمية، كأنك تشبّه بتقلّدك هذه القوس بهذا الحىّ من قيس.» فقال:
- «لا، ولكنّى أتشبّه بمن هو خير منهم: العاص بن أمية.» ثمّ قام مغضبا والخيل معه حتّى دخل دمشق، ودخل عبد الملك أيضا دمشق.