عند ذكر معزّ الدولة بالحدّة والبذاءة، وموقف الوزير المهلّبى من أخلاقه. قال مسكويه:
«وكان معزّ الدولة حديدا سريع الغضب بذيء اللسان، يكثر سبّ وزرائه والمحتشمين من حشمه، ويفترى عليهم، فكان يلحق المهلّبى- رحمه الله- من فحشه وشتمه عرضه ما لا صبر لأحد عليه، فيحتمل ذلك احتمال من لا يكترث له وينصرف إلى منزله، وكنت أنادمه في الوقت، فلا أرى لما يسمعه فيه أثرا، ويجلس لأنسه نشيطا مسرورا....» أمّا في الدليل الأوّل فيحدّثنا مسكويه عن «طول الصحبة وكثرة المجالسة» التي كانت بينه وبين الوزير المهلبي، وفي الدليل الثاني يقول:«وكنت أنادمه في الوقت.» والمعروف أنّ المهلّبى قد تولّى الكتابة لمعزّ الدولة سنة ٣٣٩ هـ. وخوطب بالوزارة سنة ٣٤٥ هـ. وتوفّى في شعبان سنة ٣٥٢ هـ. (أنظر التجارب، حوادث سنة ٣٣٩، ٣٤٥، ٣٥٢) ، والفترة الواقعة بين سنتي ٣٣٩ و ٣٥٢ هي التي كانت فيها تلك المنادمة والصحبة والمجالسة التي وصفها مسكويه بالكثرة والطول. نعم صحيح أنّه «قد صحب الوزير المهلّبى في أيّام شبيبته» - كما صرّح به أبو سليمان أيضا في الصوان (ص ٣٤٦- ٣٤٧) - ولكنّ مسكويه في هذه الشبيبة، لا يمكن أن تكون سنّة أقلّ من ٢٥ سنة، وخاصّة بالنظر إلى أنّه «كان من خواصّه ووجوه المختصّين به» - كما أضاف أبو سليمان- وكان من الحنكة والبصيرة على مستوى جعل المهلّبى يتخذه نديما له و «يخبره بأكثر ما جرى في أيّامه» ، كما جعل مسكويه بالذات يعدّ نفسه مصدرا من مصادر تاريخ سنة ٣٤٠ فصاعدا، وذلك في قوله:«وأنا أذكر جميع ما يحضرني ذكره، وما شاهدته وجرّبته بنفسي، فسأحكيه بمشيئة الله.» فبذلك لا يصحّ أن يكون مولده بعد سنة ٣٢٠، كما تكون منادمته وصحبته الطويلة ومجالسته الكثيرة للوزير المهلّبى ابتداء من عام ٣٤٥ أى دون احتساب الخمس السنوات الأولى (٣٣٩- ٣٤٤ هـ.) من وزارة المهلّبى وذلك لبعض الاحتمالات السلبيّة التي قد تعترى هذا الافتراض.
٣. وهناك دليل آخر، وهو دليل على طول عمره أكثر من كونه دليلا على تحديد سنواته أو تحديد ميلاده، وهو أنّ لمسكويه أبياتا يشكو فيها «سوء أثر الهرم وبلوغه أرذل العمر»