فمضى الناس على وجوههم. فلمّا دنا منه شبيب وثب فى عصابة قليلة صبرت معه، فقال له بعضهم:
- «أصلحك الله، إنّ عبد الرحمان [٣٧٤] بن محمّد قد هرب عنك وانصفق معه ناس كثير.» فقال:
- «قد فرّ قبل اليوم، وما رأيت ذلك الفتى يبالى ما صنع.» ثمّ قاتلهم ساعة وهو يقول:
- «ما رأيت كاليوم قطّ موطنا لم أبل بمثله أقلّ ناصرا ولا أكثر هاربا خاذلا.» فرءاه رجل من بنى تغلب من أصحاب شبيب، وكان أصاب دما فى قومه، ولحق بشبيب، فقال لشبيب:
- «والله، إنّى لأقتلنّ هذا المتكلّم عتّاب بن ورقاء.» فحمل عليه وطعنه، فوقع ووطئت الخيل زهرة بن حويّة. فأخذ يذبّ بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع أن ينهض. فجاءه الفضل بن عامر الشيبانى، فقتله، وانتهى إليه شبيب، فوجده صريعا، فعرفه وقال:
- «من قتل هذا؟» فقال الفضل:
- «أنا قتلته.» فقال شبيب:
- «هذا زهرة بن حويّة. أما والله، لئن كنت قتلت على ضلالة لربّ يوم من أيّام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك، وعظم فيه غناؤك، ولربّ خيل للمشركين هزمتها وسريّة له ذعرتها، ومدينة لهم فتحتها، ثمّ كان فى علم الله أن تقتل ناصرا للظالمين.» وقتل وجوه العرب فى المعركة، واستمكن شبيب من أهل العسكر، فقال:
- «ارفعوا عنهم السيف!»[٣٧٥] ودعا إلى البيعة. فبايعه الناس من ساعتهم، وأخذ شبيب يبايعهم ويقول: