فى ليلتي هذه قد أفزعتنى وملأت صدري.» قلت:«فرّجت عنّى يا أمير المؤمنين.» فدنوت وقبّلت رجله وقلت:
«أهذا الغمّ كلّه لرؤيا؟ والرؤيا إنّما تكون من خاطر تقدم أو بخارات رديئة من أطعمة وأخلاط ومن تهاويل السوداء.» قال: «فأقصّها عليك: رأيت كأنّى جالس على سريري هذا، إذ بدت من تحتي ذراع أعرفها وكفّ أعرفها ولا أفهم اسم صاحبها، وفى الكفّ تربة حمراء. فقال لى قائل أسمعه ولا أرى شخصه:
«هذه التربة التي تدفن فيها.» فقلت: «وأين هي؟» قال: «بطوس. [١٥] وغابت اليد وانقطع الكلام وانتبهت.» فقلت: «يا سيّدى هذه والله رؤيا بعيدة ملتبسة، أظنّك أخذت مضجعك ففكّرت فى أمر خراسان وفى حروبها وما ورد عليك من انتقاض بعضها.» قال: «قد كان ذاك.» قلت: «فذلك الفكر ولّد هذه الرؤيا، ولا تحفل بها جعلني الله فداءك وأتبع هذا الهمّ سرورا يخرجه من قلبك لا يولّد علّة.» قال: فما برحت أطيّب نفسه بضروب من الحيل حتّى سلا وانبسط وأمر بإعداد ما يشتهيه وتزيّد فى ذلك اليوم فى لهوه ومرّت الأيّام فنسي ونسينا تلك الرؤيا.
ثمّ رحل الرشيد وكان اتهم هرثمة بن أعين فوجّه ابنه المأمون قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة ومعه عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وأسد بن يزيد بن مزيد وجماعة أمثالهم وابتدأ بهارون المرض وكانت بين هرثمة وأصحاب رافع وقعة فتح فيها بخارى وأسر أخا لرافع يقال له بشير بن الليث فبعث به