- «ما ترون؟» قالوا: «فى ماذا؟» قال: «أرى من معى قد انهزم، ولست آمل رجعتهم ولا آمن خذلان من بقي، وقد عزمت على النزول والقتال حتّى يقضى الله ما هو قاض. فمن أراد منكم الانصراف فلينصرف.» فقالوا: «والله ما أنصفناك إذا، أعتقتنا من الرقّ ورفعتنا من الضّعة وأغنيتنا بعد القلّة لننصرك وقت الشدّة ثمّ نخذلك على هذه الحال؟ بل نتقدّم أمامك ونموت تحت ركابك فلعن الله الدنيا بعدك.» ثمّ نزلوا فعرقبوا دوابّهم وحملوا على أصحاب طاهر، وكان المتولّى لقتاله قريش بن شبل، فأكثروا فيهم القتل، وانتهى بعض أصحاب قريش [١] إلى محمد بن يزيد فطعنه بالرمح فقتله.
فحكى الهيثم بن عدىّ قال: دخل ابن أبى عيينة المهلّبى على طاهر فأنشده قوله:
من آنسته البلاد لم يرم ... منها ومن أوحشته لم يقم
حتّى انتهى إلى قوله:
ما ساء ظنّى إلّا لواحدة ... فى الصّدر محصورة عن الكلم [٩٢]
فتبسّم طاهر ثمّ قال:
- «أما والله لقد ساءني من ذلك ما ساءك وآلمني منه ما آلمك، ولقد كنت كارها لما كان، غير أنّ الحتف واقع والمنايا نازلة، ولا بدّ من قطع الأواصر والتنكّر للأقارب فى تأكيد الخلافة والقيام بحقّ الطاعة.»
[١] . فى الطبري (١١: ٨٥٤) : أصحاب طاهر. آومط كالأصل.