وعلّقهما فى الكعبة، فأخذهما. فلمّا بلغه فى هذا الوقت غلبة طاهر على البلاد وقتله من قتل، جمع الحجبة حجبة الكعبة، وأهل الشرف والفقهاء، فذكّرهم عهد الرشيد إليهم والمواثيق التي أخذها عند بيت الله الحرام عليهم حين بايع لابنيه: لنكوننّ مع المظلوم منهما على الظالم. ثمّ قال:
- «قد رأيتم محمدا كيف بدأ بالظلم والبغي على أخويه وكيف بايع لابنه وهو طفل رضيع لم يفطم، [٩٥] واستخرج الكتابين من الكعبة غاصبا ظالما فحرّقهما بالنار، وقد رأيت خلعه ومبايعة عبد الله المأمون بالخلافة، إذ كان مظلوما مبغيّا عليه.» فقال القوم بأجمعهم:
- «رأينا رأيك.» فوعدهم صلاة الظهر وأرسل إلى فجاج مكّة صائحا يصيح:
- «الصلاة جامعة.» فلمّا اجتمع الناس صلّى بهم الظهر، وكان وضع له المنبر بين الركن والمقام، فصعده، وكان داود فصيحا جهيرا فخطب خطبة حسنة ذكّرهم فيها بالشرف والقدمة، وأنّ المسلمين وفود الله إليكم وبكم تأتمّ الناس، ثمّ ذكّرهم عهد الرشيد وما جرى فى الكتابين، وعظّم عليهم الأمر ودعاهم إلى خلع محمد، والبيعة للمأمون، وقال:
- «إنّى قد خلعت محمدا كما خلعت قلنسوتي هذه.- ورمى بها عن رأسه إلى بعض الخدم تحته، وكانت من برد [١] حبرة [١] حمراء مسلسلة وأتى بقلنسوة سوداء هاشمية فلبسها- وقد بايعت لعبد الله المأمون أمير المؤمنين، ألا فقوموا إلى البيعة.»
[١] . فى الطبري (١١: ٨٦٢) : من برود جرة. فى آ: من برد جرة حمراء. وفى مط: من برد حيرة حمراء.