وكان ممّا قدّم الحزم فيه أن حفظ أبواب المدينة وباب القصر لمّا فرغ من قتل محمد وحوّل زبيدة وموسى وعبد الله ابني محمد إلى قصر الخلد ليلا ثمّ حملهم فى حرّاقة همينيا على الغربي من الزاب الأعلى، ثمّ أمر بحمل موسى وعبد الله إلى عمّهما بخراسان على طريق الأهواز وفارس.
فلمّا وثب الجند بطاهر وطلبوا الأرزاق أحرقوا باب الأنبار الذي على الخندق وباب البستان، وشهروا السلاح ونادوا:
- «موسى يا منصور.» وبقوا كذلك يومهم ومن الغد، فتبيّن صواب رأى طاهر فى إخراج موسى وعبد الله. وكان طاهر انحاز ومن معه من القوّاد وتعبّأ لقتالهم ومحاربتهم.
فلمّا بلغ ذلك الوجوه والقوّاد ممّن شغّب صاروا إليه واعتذروا وأحالوا على سفهاء الجند وأحداثهم وسألوه الصفح عنهم وقبول عذرهم والرضى وضمنوا له ألّا [١٢٦] يعودوا لمكروهه ما أقام معهم.
وأتاه مشايخ الأرباض فحلفوا له بالمغلّظة من الأيمان أنّه لم يتحرّك فى هذه الأيّام أحد من أبناء الأرباض، ولا كان ذلك عن رأيهم ولا أرادوه.
وضمنوا له أن يقوم له كلّ إنسان منهم فى ناحيته بما يجب عليه حتّى لا يأتيه من ناحيته أمر يكرهه.
وأتاه عميرة أبو شيخ بن عميرة الأسدى فى مشيخة من الأبناء، فلقوه بمثل ذلك وأعلموه حسن رأى من خلفهم من الأبناء فطابت نفسه إلّا أنّه قال:
- «والله ما اعتزلت عنهم إلّا لوضع السيف فيهم. وأقسم بالله لئن عدتم لمثلها لأعودنّ إلى رأيى فيكم ولأخرجنّ إلى مكروهكم.» فكسرهم بذلك وأمر لهم برزق أربعة أشهر وانصرف إلى معسكره بالبستان ودعا بوجوه أصحابه وفيهم سعيد بن مالك وقال: